و يقول الإمام الذهبي رحمه الله في السير (10/ 92 - 93): كما تقرر الكف عن كثير مما شجر بينهم، و قتالهم رضي الله عنهم أجمعين و ما زال يمر بنا ذلك في الدواوين و الكتب و الأجزاء، و لكن أكثر ذلك منقطع و ضعيف و بعضه كذب .. فينبغي طيه و إخفاؤه بل إعدامه لتصفوا القلوب، و تتوفر على حب الصحابة و الترضي عنهم، و كتمان ذلك متعين عن العامة و آحاد العلماء .. إلى أن قال: فأما ما نقله أهل البدع في كتبهم من ذلك فلا نعرج عليه، ولا كرامة فأكثره باطل و كذب و افتراء.
و فضيلة الصحبة و لو للحظة، لا يوازيها عملٌ ولا تنال درجتها بشيء، و الفضائل لا تؤخذ بالقياس.
و قد أخرج ابن عساكر في تاريخه (59/ 141) في ترجمة معاوية رضي الله عنه من طريق ابن منده ثم من طريق أبي القاسم ابن أخي أبي زرعة الرازي قال: جاء رجل إلى عمي فقال له: إني أبغض معاوية، فقال له: لم؟ قال: لأنه قاتل علياً بغير حق، فقال له أبو زرعة: رب معاوية ربٌ رحيم و خصم معاوية خصمٌ كريم فما دخولك بينهما؟.
و قال الآجري رحمه الله في كتاب الشريعة (5/ 2485 - 2491)، باب ذكر الكف عما شجر بين أصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، و رحمة الله عليهم أجمعين: ينبغي لمن تدبر ما رسمنا من فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم و فضائل أهل بيته رضي الله عنهم أجمعين، أن يحبهم و يترحم عليهم و يستغفر لهم، ويتوسل إلى الله الكريم لهم – أي بالدعاء و الترحم والاستغفار و الترضي – ويشكر الله العظيم إذ وفقه لهذا، ولا يذكر ما شجر بينهم، ولا ينقّر عنه ولا يبحث. فإن عارضنا جاهل مفتون قد خطي به عن طريق الرشاد فقال: لم قاتل فلان لفلان، ولم قتل فلان لفلان وفلان؟!.
قيل له: ما بنا و بك إلى ذكر هذا حاجة تنفعنا ولا تضرنا إلى علمها.
فإن قال قائل: و لم؟
قيل: لأنها فتن شاهدها الصحابة رضي الله عنهم، فكانوا فيها على حسب ما أراهم العلم بها، و كانوا أعلم بتأويلها من غيرهم، و كانوا أهدى سبيلاً ممن جاء بعدهم، لأنهم أهل الجنة، عليهم نزل القرآن، و شاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم، و جاهدوا معه، و شهد لهم الله عز وجل بالرضوان والمغفرة و الأجر العظيم، و شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم خير القرون، فكانوا بالله عز وجل أعرف و برسوله صلى الله عليه وسلم وبالقرآن وبالسنة، و منهم يؤخذ العلم، و في قولهم نعيش و بأحكامهم نحكم، و بأدبهم نتأدب و لهم نتبع و بهذا أمرنا.
فإن قال قائل: و أيش الذي يضرنا من معرفتنا لما جرى بينهم و البحث عنه؟
قيل له: لاشك فيه؛ و ذلك أن عقول القوم كانت أكبر من عقولنا، و عقولنا أنقص بكثير، ولا نأمن أن نبحث عما شجر بينهم فنزل عن طريق الحق و نتخلف عما أمرنا فيهم.
فإن قال قائل: و بم أمرنا فيهم؟
قيل: أمرنا بالاستغفار لهم والترحم عليهم والمحبة لهم و الاتباع لهم، دل على ذلك الكتاب والسنة و قول أئمة المسلمين، وما بنا حاجة إلى ذكر ما جرى بينهم، قد صحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم، و صاهرهم، و صاهروه، فبالصحبة له يغفر الله الكريم لهم، و قد ضمن الله عز وجل لهم في كتابه ألا يخزي منهم واحداً، و قد ذكر لنا الله تعالى في كتابه أن وصفهم في التوراة و الإنجيل؛ فوصفهم بأجمل الوصف، و نعتهم بأحسن النعت، وأخبرنا مولانا الكريم أنه قد تاب عليهم، و إذا تاب عليهم لم يعذب واحداً منهم أبداً رضي الله عنهم و رضوا عنه {أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون} [المجادلة/22].
فإن قال قائل: إنما مرادي من ذلك لأن أكون عالماً بما جرى بينهم، فأكون لم يذهب عليّ ما كانوا فيه لأني أحب ذلك ولا أجهله.
قيل له: أنت طالب فتنة، لأنك تبحث عما يضرك ولا ينفعك، و لو اشتغلت بإصلاح ما لله عز وجل عليك فيما تعبدك به من أداء فرائضه و اجتناب محارمه كان أولى بك. و قيل له: ولا سيّما في زماننا هذا مع قبح ما قد ظهر فيه من الأهواء الضالة – فما يقول رحمه الله لو رأى ما يحدث و يقال في زمننا هذا -.
و قيل له: اشتغالك بمطعمك، و ملبسك من أين؟ هو أولى بك، و تمسكك بدرهمك من أين هو؟ و فيم تنفقه؟ أولى بك.
¥