(5/ 2493). و أيضاً ما ذكر عن الحسن رحمه الله، أنه كان في مجلس فذكر كلاماً و ذكر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أبر هذه الأمة قلوباً و أعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، قوماً اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإقامة دينه، فتشبهوا بأخلاقهم و طرائقهم، فإنهم و رب الكعبة على الهدى المستقيم. أخرجه أبو نعيم في الحلية (1/ 305 - 306) عن الحسن عن ابن عمر، و البغوي في شرح السنة (1/ 214) عن ابن مسعود.
و الذي يظهر من كلام هؤلاء الأئمة التأكيد على هذا الضابط المهم و هو: عدم الخوض فيما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم، على سبيل التسلية و تأليف الأشرطة والمحاضرات و عرضها بين الناس بمختلف مستوياتهم، و هو الخطأ الذي وقع فيه الدكتور: طارق سويدان حفظه الله.
غير أن بعضهم أجاز الخوض في ذلك في حالة واحدة فقط؛ و هي إن ظهر مبتدع مبطل يقدح فيهم بالباطل، فيجب الدفاع عنهم بحق و عدل مع التنبيه إلى أنه لا يدافع عن بعضهم فيقع في سب آخرين منهم، إنما يكون الدفاع عنهم رضي الله عنهم جميعاً، و إلا فيجب الصمت و ترك الخوض فيما شجر بينهم. ضوابط إنقاذ التاريخ الإسلامي، مقال من جريدة المسلمون للدكتور: محمد بن عبد الله الغبان. العدد (656ص 8).
إن موضوع النزاع و الخلاف بين الصحابة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه يجب أن ينظر إليه من زاويتين:-
الأولى: إن اللوم في تلك الفتنة على العموم يلقى على قتلة عثمان، لأن كل من قتل من المسلمين بأيدي
إخوانهم منذ قتل عثمان رضي الله عنه إنما يقع إثمه عليهم، فهم الذين فتحوا باب الفتنة و كل ما وقع بعد ذلك فإثمه و وزره عليهم، إذ كانوا هم السبب المباشر فيها، و هم الفئة المعتدية الظالمة الباغية التي قتل بسببها كل مقتول في الجمل و صفين و ما تفرق عنها من أحداث و آراء و مواقف فتحت باب الخلاف و الفرقة بين المسلمين.
الثانية: إن ما حدث من جانب الصحابة رضي الله عنهم في هذه الفتنة يحمل على حسن النية و الاختلاف في التقدير و الاجتهاد، كما يحمل على وقوع الخطأ و الإصابة، و لكنهم على كل حال كانوا مجتهدين و هم لإخلاصهم في اجتهادهم مثابون عليه في حالتي الإصابة و الخطأ، و إن كان ثواب المصيب ضعف ثواب المخطئ؛ لأن كل فئة كانت لها وجهة نظر تدافع عنها بحسن نية، حيث إن الخلاف بينهم لم يكن بسبب التنافس على الدنيا، و إنما كان اجتهاداً من كل منهم في تطبيق شرائع الإسلام. تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (2/ 340 - 342) بتصرف.
و قد سئل ابن المبارك عن الفتنة التي وقعت بين علي و معاوية رضي الله عنهما فقال: فتنة عصم الله منها سيوفنا فلنعصم منها ألسنتنا - يعني في التحرز من الوقوع في الخطأ و الحكم على بعضهم بما لا يكون مصيباً
فيه -. و سئل الحسن البصري عن قتالهم فقال: قتال شهده أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم و غبنا،
و علموا و جهلنا، و اجتمعوا فاتبعنا، و اختلفوا فوقفنا. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (8/ 322) في تفسير سورة الحجرات.
و يقول النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم (18/ 219 - 220): و اعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم ليست بداخلة في هذا الوعيد - يعني قوله صلى الله عليه وسلم إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل و المقتول في النار - و مذهب أهل السنة و الحق إحسان الظن بهم، و الإمساك عما شجر بينهم، و تأويل قتالهم و أنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا، بل اعتقد كل فريق أنه المحق و مخالفه باغ فوجب عليه قتاله ليرجع إلى الله، و كان بعضهم مصيباً و بعضهم مخطئاً معذوراً في الخطأ لأنه اجتهاد و المجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه.
¥