و قول من قال: بايع علياً يد شلاّء – أي يد طلحة - والله لا يتم هذا الأمر. قال ابن العربي في العواصم (ص148 - 149) عن ذلك: و أما من قال يد شلاء و أمر لا يتم، فإن يداً شلت في وقاية رسول الله صلى الله عليه وسلم يتم لها كل أمر و يتوقى بها من كل مكروه. و قد تم الأمر على وجهه، و نفذ القدر بعد ذلك على حكمه و جهلَ المبتدع ذلك فاخترع ما هو حجة عليه.
و في رواية ابن شبة كما رواها الطبري في تاريخه (4/ 429) عن محمد بن الحنفية قال: بايعت الأنصار علياً إلا نفير يسير.
و ذكر منهم: سعد بن أبي وقاص و ابن عمر و أسامة بن زيد و محمد بن مسلمة و غيرهم، قلت: هذا غير صحيح فإن حضورهم لعلي و اعتذارهم عن الوقوف معه في حرب أهل الشام أو فيما يدور بينه وبين المسلمين من القتال في العراق، لدليل واضح على أن في أعناقهم بيعة تلزمهم بطاعته حين اعتذروا، و لو كان الأمر خلاف ذلك لتركوه يخرج دون أن يذهبوا إليه و يعتذروا له، فهم حينئذ غير ملزمين بطاعته.
و يبرر الباقلاني في التمهيد في الرد على الملحدة (ص233 - 234) موقف الصحابة الذين تأخروا عن نصرة علي فيقول في هذا الصدد: فإن قال قائل: فإن كانت إمامة علي من الصحة و الثبوت بحيث وصفتم، فما تقولون في تأخر سعد و ابن عمر و ابن مسلمة و أسامة و غيرهم عن نصرته و الدخول في طاعته؟ قيل له: ليس في جميع القاعدين ممن أسمينا أو ضربنا عن ذكره من طعن في إمامته و اعتقد فسادها، و إنما قعدوا عن نصرته على حرب المسلمين لتخوفهم من ذلك و تجنب الإثم فيه.
و يذكر ابن العربي في العواصم (ص 150): أن قوماً قالوا تخلف عنه من الصحابة جماعة منهم سعد و ابن مسلمة و ابن عمر و أسامة، فيرد عليهم بقوله: قلنا أما بيعته فلم يتخلف عنها، و أما نصرته فتخلف عنها قوم؛ منهم من ذكرتم؛ لأنها كانت مسألة اجتهادية فاجتهد كل واحد و أعمل نظره و أصاب قدره.
و خلاصة القول لئن كانت بعض الروايات تستثني من البيعة بعض الصحابة فإن ذلك لا يقدح في خلافة علي رضي الله عنه.
و إن ثبت امتناع معاوية عن مبايعته فإن ذلك لا يقدح في إجماع أهل الحل و العقد على خلافته، كما لا يقدح في الإجماع على خلافة الصديق امتناع سعد بن عبادة عن مبايعته، على أن معاوية معترف بأن علي أحق بالإمامة منه و إنما حجّته في الامتناع هو طلبه تسليم الموجودين من قتلة عثمان فيقتص منم.
و يخلص الماوردي في الأحكام السلطانية (ص30) إلى القول: بأن فرض الإمامة أو البيعة يكون فرض كفاية كالجهاد و طلب العلم، حيث إذا قام بها من هو أهلها سقط فرضها عن كافة الناس.
بعد أن تولى علي الخلافة قام بعزل بعض الولاة و تعيين آخرين بدلاً عنهم، فعزل والي مكة خالد بن العاص، و عين بدله أبا قتادة الأنصاري مدة شهرين، ثم عزله و عين قثم بن العباس، و يبدو أن الرأي العام بمكة كان غاضباً لعثمان و تصاعد الغضب لكثرة النازحين من المدينة إلى مكة على إثر سيطرة الثوار على المدينة. تاريخ خليفة (ص178،201) و عصر الخلافة الراشدة لأكرم العمري (ص139 - 146)
و أرسل عثمان بن حنيف الأنصاري إلى البصرة والياً عليها بدلاً من عبد الله بن عامر واليها لعثمان، و كان قد ترك البصرة متجهاً إلى مكة. و قد انقسمت البصرة على الوالي الجديد، فمنهم من بايع و منهم من اعتزل و منهم من رفض البيعة حتى يقتل قتلة عثمان. سير أعلام النبلاء (2/ 322).
و أما مصر فكان واليها عبد الله بن سعد بن أبي السرح قد تركها متجهاً إلى عسقلان، فاستولى عليها محمد بن أبي حذيفة مدة عام كامل و واجه معارضة تطالب بالقصاص من قتلة عثمان، فلما قتل ولي عليها قيس بن سعد بن عبادة فتمكن من أخذ البيعة لعلي و هادن أهلها. مصنف عبد الرزاق (5/ 458) بسند صحيح إلى الزهري.
و أرسل علي إلى معاوية يطلب منه البيعة فرد عليه قائلاً: فإن كنت صادقاً فأمكنا من قتلة عثمان نقتلهم به ونحن أسرع الناس إليك. الأخبار الطوال للدينوري (ص162 - 163).
¥