تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن قال قائل: إن علياً قد أخطأ في عزل جميع ولاة عثمان قبل أن تأتيه بيعة أهل الأمصار. فالجواب: إن علياً رضي الله عنه إمام مجتهد له أن يعزل عمال عثمان إذا رأى المصلحة في ذلك، و قد ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو المعصوم خالد بن سعيد بن أبي العاص على صنعاء و عمرو بن العاص على عمان، فعزلهما الصديق من بعده، و ولى الصديق خالد بن الوليد و المثنى بن حارثة، فعزلهما الفاروق من بعده،

و ولى الفاروق عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة فعزلهما عثمان من بعده. تاريخ خليفة (ص97،102،122 - 123،155،178) و تاريخ الطبري (3/ 343) (4/ 241).

و هكذا فعل علي لما رأى المصلحة في ذلك؛ فهل ينتقد عاقل الصديق و الفاروق و ذا النورين في عزلهم هؤلاء العمال الأكفاء!.

أما القول بأنه عزل جميع عمال عثمان، هذا غير صحيح فالعزل لم يتحقق إلا في معاوية في الشام و خالد بن أبي العاص في مكة، و أبي موسى الأشعري في الكوفة، على أنه أقره بعد ذلك. تاريخ الطبري (4/ 442) و تاريخ خليفة (ص201).

و أما البصرة فإن واليها خرج من نفسه، و في اليمن أخذ أميرها يعلي بن مُنية مال جباية اليمن و قدم مكة بعد مقتل عثمان و انضم إلى طلحة و الزبير و حضر معهم موقعة الجمل، و ابن أبي السرح خرج إلى فلسطين و مكث هناك حتى مات بعد أن تغلب ابن أبي حذيفة على مصر. تاريخ الطبري (4/ 421) و (4/ 450).

و هكذا فإن أميري اليمن و البصرة عزلا أنفسهما و أمير مصر عزله المتغلب عليها و أمير الكوفة أقره على منصبه فلم يرد العزل إلا في حق معاوية والي الشام و خالد والي مكة. و أما القول بأنه عزلهم قبل أن تأتيه بيعة أهل الأمصار، قلت: إن تولية الإمام للعمال على الأمصار غير مشروط بوصول بيعة أهلها له، فمتى بايع أهل الحل و العقد، لزمت بيعته جميع البلدان النائية عن مركز الخلافة. و لو كانت تولية الخليفة العمال على الأمصار متوقفة على وصول بيعة أهلها له ما تمت بيعة أبي بكر رضي الله عنه، لأنه تصرف بإرسال جيش أسامة و محاربة المرتدين قبل وصول بيعة أهل مكة و الطائف و غيرها من البلاد، و كذلك فعل الفاروق و ذي النورين فإنهما تصرفا في أمور المسلمين أيضاً قبل وصول بيعة الأمصار إليهما.

مقدمات معركة الجمل و ما سبقها من أحداث.

لما مضت أربعة أشهر على بيعة علي رضي الله عنه، خرج كل من طلحة و الزبير من المدينة بقصد العمرة، و كذلك خرج عبد الله بن عامر من البصرة و يعلي بن مُنْية من اليمن إلى مكة في أوقات مختلفة، و أما عن طلب الزبير و طلحة من علي السماح لهما بالذهاب إلى البصرة و الكوفة لإحضار جند يقاتلون بهم قتلة عثمان رضي الله عنه، فهذا خبر لا يصح منه شيء؛ لأن طلحة و الزبير رضي الله عنهما كانا حريصين على إصلاح ذات البين و إطفاء نار الفتنة و منع إراقة المزيد من دماء المسلمين، كما سيأتي.

اجتمع طلحة والزبير و يعلي و عبد الله بن عامر و عائشة رضي الله عنهم أجمعين بعد نظر طويل على الشخوص إلى البصرة من أجل الإصلاح بين الناس حين اضطرب أمرهم بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، و ليس من أجل المطالبة بدم عثمان، و دليل ذلك حديث الحوأب، - هو موضع قريب من البصرة، و هو من مياه العرب في الجاهلية و يقع على طريق القادم من مكة إلى البصرة، و سمي بالحوأب؛ نسبة لأبي بكر بن كلاب الحوأب، أو نسبة للحوأب بنت كلب بن وبرة القضاعية، انظر: معجم البلدان (2/ 314) – ففي أثناء الطريق إلى البصرة مر الجيش على منطقة يقال لها الحوأب، فنبحت كلابها فلما سمعت عائشة هذا النباح، طرأ عليها حديثاً فقالت ما هذه المنطقة؟ قالوا هذه الحوأب، فتذكرت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث روى أحمد و ابن حبان و الحاكم عن قيس بن حازم أن عائشة لما أتت على الحوأب سمعت نباح الكلاب، فقالت: ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: أيتكن تنبح عليها كلاب الحواب. فقال لها الزبير: ترجعين؟! - أي لا ترجعي لأنهم يحترمونك - عسى الله أن يصلح بك بين الناس. هذا لفظ شعبة، أما لفظ يحيى فقال: لما أقبلت عائشة بلغت مياه بني عامر ليلاً، فنبحت الكلاب فقالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلا راجعة فقال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير