فيصلح الله ذات بينهم. قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها ذات يوم: كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب. السلسلة الصحيحة (1/ 846).
و قد أشكل حديث الحوأب على بعض الناس فردوه - منهم الإمام ابن العربي في كتابه العواصم من القواصم (ص162)، و تابعه الشيخ محب الدين الخطيب في حاشيته على هذا الكتاب القيم (ص152) -، و هو حديث صحيح و لسان حالهم يقول: كان على عائشة رضي الله عنها لما علمت بالحوأب أن ترجع، و الحديث يدل على أنها لم ترجع و هذا مما لا يليق أن ينسب لأم المؤمنين.
و قد أجاب الشيخ الألباني رحمه الله على هذا الإشكال فقال: ليس كل ما يقع من الكمّل يكون لائقاً بهم، إذ المعصوم من عصم الله و السنّي لا ينبغي له أن يغالي فيمن يحترمه، حتى يرفعه إلى مصاف الأئمة الشيعة المعصومين، و لا شك أن خروج أم المؤمنين كان خطأ من أصله و لذا همّت بالرجوع حين علمت بتحقيق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم عند الحوأب، و لكن الزبير رضي الله عنه، قد أقنعها بترك الرجوع بقوله: عسى الله أن يصلح بك بين الناس، و لاشك انه كان مخطئاً في ذلك أيضاً. السلسلة الصحيحة (1/ 854 - 855)، و قال ابن حجر عن الحديث: سنده على شرط الشيخين، انظر فتح الباري (13/ 59 - 60) و قال الهيثمي: رواه أحمد و أبو يعلى و البزار و رجال أحمد رجال الصحيح، مجمع الزوائد (7/ 234) و صححه الألباني في الصحيحة ورد على من طعن في صحته و بين من أخرجه من الأئمة، انظر: الصحيحة (1/ 846 - 855).
هنا أدرك علي رضي الله عنه خطورة الموقف، و ما يمكن أن يجر إليه الخلاف من تمزيق الدولة الإسلامية،
فاستنفر أهل المدينة للخروج معه فاجتمع معه حوالي سبعمائة رجل، و اعتزل الكثير من الصحابة هذه الفتنة، فخرج علي من المدينة متجهاً إلى العراق و قد عسكر في الربذة حيث أضيف إلى جنده مائتا رجل فبلغوا تسعمائة رجل. تاريخ دمشق لابن عساكر (42/ 456).
و قد حاول الحسن بن علي ثني أبيه عن الذهاب إلى العراق و هو يبكي لما أصاب المسلمين من الفرقة و الاختلاف، لكن علياً رفض ذلك و أصر على الخروج. مصنف ابن أبي شيبة (15/ 99 - 100) بإسناد حسن، و ابن عساكر في تاريخ دمشق (42/ 456 - 457).
و قد جاءت روايات لتبين أن علي رضي الله عنه خرج من المدينة في إثر أصحاب الجمل، و هذا الأمر لم يحدث، بل الصحيح أنه خرج من المدينة عاقداً العزم على التوجه إلى الكوفة ليكون قريباً من أهل الشام، و لم يخرج في أعقاب أصحاب الجمل.
و في ما يلي بيان هذا الأمر:-
أ- ذكرت بعض الروايات أن علياً رضي الله عنه حين خرج من المدينة أقام في - الربذة - عدة أيام، و هذا الصنيع من علي رضي الله عنه لا يشبه صنيع من خرج يطلب قوماً. هذا فضلاً عن أن - الربذة - تقع على طريق الكوفة بينما أصحاب الجمل كانوا يسلكون طريق البصرة.
ب- كذلك ذكرت بعض الروايات أن علياً رضي الله عنه حين خرج من - الربذة - توجه إلى – فَيْد، انظر: معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية لعاتق البلادي (ص239). - ثم - الثعلبية، انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي (2/ 78) - و هذه الأماكن من منازل طريق الكوفة، و هذا يعني أن علياً لم يكن يتعقب أصحاب الجمل، وإلا لترك طريق الكوفة و قصد طريق البصرة. خاصة أن من أراد البصرة و كان خارجاً من المدينة فإنه يتجه إلى – النَّقِرَة، انظر: معجم البلدان (5/ 298) - التي تقع على طريق الكوفة، و منها يتيامن حتى يصل – النِّباج، انظر: معجم البلدان (5/ 255) - التي تقع على طريق البصرة. انظر: كتاب المناسك للحربي (322،587).
لكن علياً رضي الله عنه لم يفعل ذلك بل تعدى النقرة و واصل سيره إلى فيد ثم الثعلبية. أنظر حول هذا الموضوع مع نقد الروايات في ذلك كتاب استشهاد عثمان و وقعة الجمل لخالد الغيث (ص183 - 184).
هنا و بعد أن عسكر علي رضي الله عنه في الربذة، أرسل رسولين لاستنفار الكوفيين، و هما محمد بن أبي بكر و محمد بن جعفر، فأخفقا في مهمتهما لأن أباموسى الأشعري والي الكوفة لعلي التزم موقف اعتزال الفتنة و حذر الناس من المشاركة فيها. سنن أبي داود (4/ 459 - 460) بإسناد حسن.
¥