تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد أجاب عن ذلك الإمام الطحاوي في شرح العقيدة شرح الطحاوية (ص483) بقوله: و كان في عسكر علي رضي الله عنه من أولئك الطغاة الخوارج الذين قتلوا عثمان، من لم يُعرف بعينه و من تنتصر له قبيلته، و من لم تقم عليه حجة بما فعله، و من في قلبه نفاق لم يتمكن من إظهاره كله.

و على كل حال كان موقف علي رضي الله عنه، موقف المحتاط منهم، المتبرئ من فعلهم، و هو و إن كان لم يخرجهم من عسكره فقد كان يعاملهم بحذر و ينظر إليهم بشزر، حتى قال الإمام الطبري في تاريخه (4/ 445): بأنه لم يول أحد منهم أثناء استعداده للمسير إلى الشام – يقصد مسيره لحرب صفين -، حيث دعا ولده محمد بن الحنفية و سلمه اللواء و جعل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قائد الميمنة و عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه على الميسرة و جعل على مقدمة الجيش أبا ليلى بن عمر بن الجراح و استخلف على المدينة قثم بن العباس رضي الله عنهم.

و هذه بادرة منه رضي الله عنه ليعلن تبرؤه من أولئك المارقين، و يثبت قدرته على السيطرة على أمر المسلمين من غير عون منهم، فقد كان له في المسلمين الموالين له و المؤيدين لخلافته ما يغنيه عن الاستعانة بهم و التودد إليهم؛ و هذا أقصى ما يمكنه فعله بتلك الطائفة إذ ذاك، و هو كافٍ في عذره لأنهم مئات و لهم قرابة و عشائر في جيشه، فما يأمن لو عاملهم بأكثر من هذا من الشدة أن يمتد حبل الفتنة في الأمة، كما حصل ذلك لطلحة و الزبير و عائشة بالبصرة حين قتلوا بعضاً منهم، فغضب لهم قبائلهم و اعتزلوهم. إفادة الأخيار ببراءة الأبرار للتباني (2/ 52).

فلما نزل الناس منازلهم و اطمأنوا خرج علي و خرج طلحة و الزبير فتوافقوا و تكلموا فيما اختلفوا فيه، فلم يجدوا أمراً هو أمثل من الصلح، فافترقوا على ذلك، رجع علي إلى عسكره و رجع طلحة و الزبير إلى عسكرهما و أرسل طلحة و الزبير إلى رؤساء أصحابهما، و أرسل علي إلى رؤساء أصحابه ما عدا أولئك الذين حاصروا عثمان رضي الله عنه فبات الناس على نية الصلح و العافية، و هم لا يشكون في الصلح فكان بعضهم بحيال بعض، و بعضهم يخرج إلى بعض لا يذكرون و لا ينوون إلا الصلح فباتوا بخير ليلة باتوها منذ مقتل عثمان، و بات الذين أثاروا الفتنة بشرّ ليلة باتوها قط، إذ أشرفوا على الهلاك و جعلوا يتشاورون ليلتهم كلها. انظر: تاريخ الطبري (4/ 506 - 507) من طريق سيف بن عمر.

فاجتمعوا على إنشاب الحرب في السر، فغدوا في الغلس و عليهم ظلمة و ما يشعر بهم جيرانهم، فوضعوا فيهم السيوف، فثار أهل البصرة و ثار كل قوم في وجوه الذين باغتوهم، فقام طلحة ينادي و هو على دابته - وقد غشيه الناس - فيقول: يا أيها الناس أتنصتون؟ فجعلوا يركبونه و لا ينصتونه، فما زاد أن قال: أف، أف، فراش نار و ذبان طمع. تاريخ خليفة (ص 182). وهل يكون فراش النار و ذبان الطمع غير أولئك السبئية؟!

التحم القتال من الغوغاء و خرج الأمر عن علي و طلحة و الزبير. و كان طلحة يقول – و السهام تناوشه -: اللهم خذ لعثمان مني اليوم حتى ترضى. تاريخ خليفة (ص 185)، دول الإسلام للذهبي (1/ 28).

و يصور لنا الحسن بن علي حال والده فيقول: لقد رأيته حين اشتد القتال يلوذ بي و يقول: يا حسن لوددت أني مت قبل هذا بعشرين حجة - أو سنة -، فقال له الحسن: يا أبت قد كنت أنهاك عن هذا، قال: يا بني لم أر الأمر يبلغ هذا. مصنف ابن أبي شيبة (15/ 288) بإسناد صحيح، و السنة لعبد الله بن أحمد (2/ 566، 589).

و روى ابن أبي شيبة في مصنفه (15/ 275). بإسناده إلى حبيب بن أبي ثابت أن علياً قال يوم الجمل: اللهم ليس هذا أردت، اللهم ليس هذا أردت.

أما الروايات التي جاءت تفيد بأن طلحة رضي الله عنه قام بتحريض الناس على القتال ثم إصابته و موته، هي روايات مردودة بما ثبت من عدالة الصحابة رضوان الله عليهم، وقام طلحة و رجع خلف الجيش، فجاءه سهم غرب لا يعرف من أين أتى فنزل في المفصل من ركبته فصادف جرحاً في ساقه كان أصابه يوم أحد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ ينزف فحمله غلامه إلى البصرة و ألجأه إلى دار خربة لا أحد فيها و مات هناك رضي الله عنه. تاريخ الطبري (4/ 512، 514) من طريق سيف بن عمر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير