عنهم.
و على ذلك إذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يجوز عليهم الخطأ كما يجوز على كل بشر، فحينئذ نستطيع أن نقبل ما يحدث في تصرفاتهم من أخطاء غير مقصودة، و إنما وقعت نتيجة اجتهاد لم يوفقوا فيه إلى الصواب، لكنهم مثابون على الإخلاص في اجتهادهم إن شاء الله.
و لقد أخطأ من قال بأن الباعث لخروج طلحة والزبير هو ما كانا عليه من الطمع في الخلافة والتآمر على الناس بذلك.
فينفي ابن شبّة في كتابه أخبار البصرة هذا الزعم بقوله: إن أحداً لم ينقل أن عائشة و من معها نازعوا علياً في الخلافة، و لا دعوا إلى أحد منهم ليولوه الخلافة، و إنما أنكروا على علي منعه - أي تأخيره - من قتل قتلة عثمان و ترك الاقتصاص منهم. أورده الحافظ في الفتح (13/ 60 - 61).
و يقول ابن حزم في الفصل في الملل (4/ 238 - 239): فقد صح صحة ضرورية لا إشكال فيها، أنهم لم يمضوا إلى البصرة لحرب علي و لا خلافاً عليه، و لا نقضاً لبيعته و لو أرادوا ذلك لأحدثوا بيعة غير بيعته، و هذا ما لا يشك فيه أحد و لا ينكره أحد، فصح أنهم إنما نهضوا إلى البصرة لسد الفتق الحادث في الإسلام من قتل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ظلماً.
وقد كان التقاء الفريقين في الجمل يوم الخميس في النصف من جمادى الآخرة سنة ست و ثلاثين، تاريخ خليفة (ص184 - 185) - و هي أصح الروايات في تحديد تاريخ وقعة الجمل - و كان القتال بعد صلاة الظهر فما غربت الشمس و حول الجمل أحد ممن كان يذب عنه. أورده الحافظ في الفتح (13/ 62).
و أما عن عدد قتلى معركة الجمل فقد بالغ المؤرخون في ذكرهم فمن مقلل و من مكثر على حسب ميل الناس و أهوائهم؛ لكن العدد الحقيقي لقتلى معركة الجمل فقد كان ضئيلاً جداً للأسباب التالية:-
1 - قصر مدة القتال، حيث أخرج ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أن القتال نشب بعد الظهر، فما غربت
الشمس و حول الجمل أحد ممن كان يذب عنه.
2 - الطبيعة الدفاعية للقتال، حيث كان كل فريق يدافع عن نفسه ليس إلا.
3 - تحرج كل فريق من القتال لما يعلمون من عظم حرمة دم المسلم.
4 - قياساً بعدد شهداء المسلمين في معركة اليرموك - ثلاثة آلاف شهيد، تاريخ الطبري (3/ 402) - و معركة القادسية - ثمانية آلاف و خمسمائة شهيد، تاريخ الطبري (3/ 564) - و هي التي استمرت عدة أيام، فإن العدد الحقيقي لقتلى معركة الجمل يعد ضئيلاً جداً. هذا مع الأخذ بالاعتبار شراسة تلك المعارك و حدتها لكونها من المعارك الفاصلة في تاريخ الأمم.
5 - أورد خليفة بن خياط في تاريخه (ص187 - 190) بياناً بأسماء من حفظ من قتلى يوم الجمل، فكانوا قريباً من المائة. فلو فرضنا أن عددهم كان مائتين و ليس مائة، فإن هذا يعني أن قتلى معركة الجمل لا يتجاوز المائتين. و هذا هو الراجح للأسباب و الحيثيات السابقة و الله أعلم بالصواب. أنظر حول هذا الموضوع كتاب: استشهاد عثمان و وقعة الجمل لخالد الغيث (ص214 - 215).
و هذا العدد مصداق لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه: ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تخرج فتنبحها كلاب الحوأب، يقتل عن يمينها و عن يسارها قتلى كثير، ثم تنجو بعد ما كادت. السلسلة الصحيحة (1/ 853).
حال ابن سبأ و مصيره بعد هذه الأحداث.
تعددت الروايات في ذكر مصير عبد الله بن سبأ، هل أحرق مع أصحابه؟
أم أنه نفي مع من نفي إلى سباط في المدائن؟
أقول: الراجح والله أعلم و هو الذي أعتقده، أنه نفي إلى سباط، و مات هناك؛ و الأدلة على ذلك كثيرة جداً، و هاك مختصرها:-
أولاً: الأدلة على كون علي أحرق جماعته، دون ذكر لحرق ابن سبأ معهم:-
إن خبر إحراق علي بن أبي طالب رضي الله عنه لطائفة السبئية، تكشف عنه الروايات الصحيحة في كتب الصحاح و السنن و المساند. أنظر خبره معهم عند البخاري في صحيحه (4/ 21)، (8/ 50)، و أبو داود في سننه (4/ 520)، و النسائي (7/ 104)، و الترمذي (4/ 59) و الحاكم في المستدرك (3/ 538 - 539) و صححه الألباني في صحيح أبي داود (3/ 822).
¥