فهذا هو المنهل العذب لكل تقي عابد، والمعقل الرحب الذي ما صد عنه إلا جاهل أو مكابر أو معاند، والمدار الأعظم الذي تدور عليه رحى النجاة، والمنار الأفخم الذي ما أمَّه ذو حاجة إلا ونال ما رجاه، فمن اعتصم بحبله المتين إن تكلم سَمِعْتَ واضح البيان من صريح تبيانه، أو استدل فَهِمتَ صحيحَ الاستدلالَ من فصيحَ لسانِهِ.
وإنَّ ممَّن نَهَجَ مَنَاهَجَ مَنْ غَبَرَ، ولَهَجَ مُنْذُ نَضِجَ رأيهُ بالكتابِ والسنةِ والأثر، وارتأته العلياء مرآة محياها، وجذبته المَحَجَّةُ البيضاء لأن يكون نشأة حمايها (يقول العجمي:" (حميا) كل شيء شدته وحدته ومن الشباب أوله ونشاطه، " المعجم الوسيط" (2/ 208)، نقطة فؤادي، الفالح الصالح، ومدار دائرة ودادي الناجح الراجح، الذي جمع شمل الفضائل العلية بعد شتاتها، ورتع في رياض الشمائل النبوية فكانت لنفسه طيب حياتها، ولازم ربوع الأصلين فلا يزيغ عنهما ولا يزول، وشاد لنفسه حصناً حصيناً فلا يحيد عنه ولا يحول، الأخ في الله الشيخ جمال الدين أفندي ابن الأخ الإمام، والفاضل الهمام، الشيخ سعيد أفندي ابن الجهبذ الأكمل، والعمدة الأفضل، الشيخ قاسم أفندي الشهير بالحلاق، أجزل الله لنا ولهم الأجر والثواب، وحشرنا وإياهم في زمرة سيدنا محمد لباب الألباب، وكعبة طواف الأحباب.
فإنه أحسن الله إلينا وإليه، وعطف بمنه وكرمه علينا وعليه، قد ظنَّ بهذا الفقير الظن الحسن، وخال بهذا الفقير أنه قد تحلى بالمنن وتخلى من المحن، فطلب مني أن أجيزه بما تجوز لي روايته، وتنسب إليَّ قراءتُه ودراسته ودرايته، مما أخذته عن شيوخي الأفاضل، وسادتي ذوي المناقب والمراتب والشمائل، ولم يدر أني لست لذلك أهلاً، ولا ممن يحق له أن يدوس هذا البساط أصلاً، ولا ممن يستحق أن يجاز فيكف يجيز، ولا ممن يري الفرق بين المجاز والتجويز، فتمنعت جهدي عن ذلك، لمعرفتي بأنني لست أهلاً لسلوك هذه المسالك، وأن بضاعتي مزجاة، واعترافي بذلك نجاة، فأصرَّ عليَّ ولم يلتفت لقالي، واستمر ولم يمنعه إخباري بضعف حالي، فحينئذ ساعدتُهُ على مطلوبه، ووافقته على مرغوبه، وتوكلت على الله القدير بعد أن استخرته، ثم توجهت إلى هذا المستجيز العزيز وأجزته بما تجوز لي روايته عن قادتي العلماء الأعلام، وسادتي الأفاضل الأجلاء الكرام، من دمشقيين، ومصريين، وغيرهم، ممن سما علو مقامهم وقدرهم.
وإن من أجلهم لدي، وأمنهم في الحقيقة علي، سيدي وسندي وعمدتي ومعتمدي، من لي به كمال الفخار، والدي الشيخ حسن أفندي البيطار، فإنه أجازني بالإجازة العامة والخاصة كما أجازه شيوخه ذوو التقوى والفلاح، بسائر الفنون المدونة وعلى الخصوص بكتب الصِّحاح، عن شيخه الشيخ عبد الرحمن الكُزْبري شيخ الشام، عن والده الشمس محمد الكُزْبري الشهم الهمام، ثُمَّ بالسند المتسلسل إلى مؤلفيها السادة الحفاظ العظام، البخاري، ومسلم وأبي داود، والترمذي، النسائي، وابن ماجة هداة الأنام، كما هو مرقومٌ في محله، ومعلوم لدى ذويه وأهله.
وإن لي بحمد الله طرقاً عديدةً، وأسانيد صحيحة سديدة، وبعضها متصل بالسيد محمد الأمير، وبعضها متصلٌ بغيره من العلماء ذوي القدر الشهير، وذلك معلوم من الأثبات، ومذكور في دواوين الإجازات.
وإني لراج من هذا المستجيز، ومتأمل من هذا الطالب العزيز، أن يمدني بدعواته في خلواته وجلواته، وأن يكون ملازماً على ما شرطه الأفاضل التمسك بذوي الكمالات والفضائل.
والله أسأل، وبأشرف أنبيائه أتوسل (قال العجمي:" هذا من التوسل غير المشروع كما نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه:" قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة") أن يتفضل علينا وعليه بتمام المراد والمرام، وأن يختم لنا وله وللمسلمين بحسن الختام.
.................... في 3 ذي القعدة الحرام
....................... سنة ألف وثلاثمائة وخمس عشرة
........... عبد الرازق ابن المرحوم حسن المعروف بالبيطار
......................................... عفي عنهما
[1] (مجموع الإجازات الموقعة بخطوط شيوخ الشيخ جمال الدين) ص:28ـ 32، و (مجموعة لطيفة في نصوص إجازات شريفة" (ص 21ـ 25)، نقلاً عن: وليد القرون الأولى، إمام الشام في عصره جمال الدين القاسمي سيرته الذاتية بقلمه، لمحمد بن ناصر العجمي، ص 203ـ 208، ط. دار البشائر 1430هـ، أديب علماء دمشق الشيخ عبد الرازق البيطار حياته وإجازاته، بقلم محمد بن ناصر العجمي، ص (70ـ 75)، ط1. دار البشائر الإسلامية. 2000م)