(وقد قدمت أن أكثر الأحاديث الواردة في هذا الباب - أعني الإظلال - ضعيف وإنما أوردها لأبين ما فيها تكميلاً للفائدة).
وثم مسألة غير بينة وهي أوجه التشابه والاختلاف ونوع العلاقة بين جزء ابن حجر المذكور (معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال) – وهو مفقود حقيقة أو حكماً ((4)) - وما في (الأمالي) من أحاديث الإظلال.
ولم أجد في كلامه ولا في كلام من ترجمه أو نقل عنه في هذا الباب أو غيره ما يبين حقيقة هذه المسالة أو يشير إليها، فلتحرر.
ولكن أظهر الاحتمالات المتبادرة أن ذلك الجزء أصله أحاديث الإظلال التي في (الأمالي) وأنه أملاها قبل إفرادها فيه، وأنه ألف الجزء على طريقة المتأخرين في الأجزاء الحديثية التخريجية لا على طريقة الأمالي، ويظهر أيضاً أنه – أعني ذلك الجزء - ليس فيه من الزيادات على أصله إلا اليسير، فإنه لو كان فيه زيادة ذات بال لصرح بذلك – أو أشار إليه - في (الأمالي) أو (الفتح) أو غيرهما.
**************
هذا واعلم أن الخصال التي جمعها ابن حجر في (أماليه) كانت قدر سبعة مجالس أو أكثر بقليل، ودخلت في (الأمالي) من أول المجلس التاسع والتسعين.
وطبعت (الأمالي المطلقة) وفيها هذه المجالس بتحقيق الشيخ حمدي عبد المجيد السلفي.
4 - ألف الحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 كتاباً في هذا الباب أسماه (تمهيد الفرش في الخصال الموجبة لظل العرش) وهذه خطبته:
(الحمد لله العظيم الذي لا ظل إلا ظله والصلاة والسلام على محمد الذي علا مقامه ومحله وبعد، فإن الحديث المشهور في السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه - وقد نظمهم الشيخ أبو شامة في بيتين - قد وقع التحاور فيه قديماً بين الفحول هل لهم ثامن أو لا؟ فجمع شيخ الإسلام أبو الفضل ابن حجر زيادة على ذلك سبعة أخرى وردت في أحاديث صحاح، ونظمها في بيتين ثم تتبع بعد ذلك، فوجد سبعتين في أحاديث ضعاف، ونطمها في أربعة أبيات.
وقد وقع لي زيادة على ذلك خصال أخرى، وقد نظمت سلك الجميع في هذه الكراسة، وبينت فيها قواعد ذلك وأساسه، وذكرت ما لكل حديث من الشواهد التي فيها التصربح بالظل، والإشارة إليه دون مجرد الترغيب، وسميتها (تمهيد الفرش في الخصال الموجبة لظل العرش). والله أسأل التوفيق والهداية إلى سواء الطريق) ((5)).
انتهت خطبته وعليه فيها مؤاخذتان:
الأولى: أن السبعة المزيدة الأولى أغلبها غير صحيح خلافاً لقوله، وابن حجر نفسه لم يصرح بالصحة، وإنما وصفها كما تقدم نقله عنه بأنها وردت بأسانيد جياد، وكلامه هذا أقرب من كلام السيوطي، وإن كان – على قربه - غير مسلم أيضاً كما سيأتي برهانه في تخريج أحاديث هذا الكتاب إن شاء الله.
الثانية: ذكر السيوطي ما معناه أن زيادات ابن حجر على السبعة الشهيرة إنما هي إحدى وعشرون خصلة وأن الباقي كان مما وقف عليه هو فزاده على ابن حجر. وهذا الكلام خرج على وجه التجوز والتقريب، فإن الخصال الزائدة التي جمعها ابن حجر في (أماليه) كانت سبعاً وعشرين خصلة على الأقل، ولقد كان السخاوي أكثر دقة من السيوطي في هذه المسألة إذ قال عقب ذكره أحاديث الخصلة السادسة والأربعين من كتابه ما نصه:
(فهذه ـ أعني السبعة المشتهرة وما ألحق بها ـ أربعة وثلاثون سوى ما في تضاعيفها من زياداتي وهي ((6)) تسعة - بتقديم المثناة - وسوى الترك للغارم لكونه أخص من معونته، والصدقة على المعسر لكونه أشمل من الوضع عنه، وإشباع الجائع لكونه أخص من مطلق الاطعام، فصارت اثنتي عشرة.
فالذي في نظم شيخنا منها إحدى وعشرون----؛ والذي أفاده منها مما لم ينظمه ستة: الحكم للناس كالحكم لنفسه، وشيعة علي ومحبوه ومن لا يرى الزنا، ولا يبتغي الربا، ولا يأخذ الرشا، وقراءة ثلاث آيات من أول الأنعام).
وأما السيوطي فذكر ما عدا الأولى من هذه الخصال الست في كتابه في الفصل الذي ترجمه بقوله: (ذكر الخصال التي وقعت لي) أي زيادة على ابن حجر، ولعله كان أثبتها أولاً في كتابه نقلاً عن ابن حجر ثم نسي عند تبييضه أو إكماله أنه نقلها عنه وظن أنها من جملة ما استدركه عليه؛ والله أعلم بحقيقة الحال.
******************
هذا وقد اتهم السخاويُّ السيوطيَّ بأنه اعتمد في كتابه على كتابه فقال فيه في (الضوء اللامع) (4/ 66):
¥