موته بموت القلب،] فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [. [النور: 76])).
ويعتذر عن عده بعض من اصطبغ بما قد ينكر من الأقوال والأفعال - ممن عدهم من الأولياء الصالحين، أو المجاذيب الذين ظاهر أعمالهم يخالف ظاهر الشرع الكريم - بقوله (1: 8): ((ولا يصدنك عن بعضهم ملابسته في الظاهر لبعض ما لابسه أهل زمانه، فإن الولي - كما في "المرآة" عن أبي المحاسن: لا يكون إلا على شكل أهل وقته وأوانه)).
ثم يختم المؤلف – رضي الله عنه – كتابه بتنبيه يتكلم فيه عن صحابة دفنوا في المغرب؛ محررا القول في رجال ركراكة – وإن كانوا من غير أهل فاس – مترجما لهم واحدا واحدا، محررا صحة لقياهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وإن كان متوقفا في ذلك.
بل يلحق هذا التنبيه بذكر أنبياء دفنوا في المغرب؛ فيذكر سيدنا دانيال ببلاد تكمت، وسيدنا ولكناس بين تزغت ووادي أسافن، وسيدنا شناول ببلاد تمدلت؛ بحيث: ((قيل: وسبب دخول هؤلاء الأنبياء المغرب: هو أن بخت نصر كان يقتل الأنبياء، وفر هؤلاء بأنفسهم وركبوا البحر، فلاح بهم الريح لرباط ماسة، وخرجوا منها، وتوجهوا لناحية القبلة ... إلخ)) (1). وإن كان عقب كل ذلك بقوله: والله سبحانه وتعالى أعلم.
ومناسبة إيراد المؤلف لهذه التراجم وإن كانت من خارج فاس: المبحث الذي بحثه علماء المغرب عن أفضل المدفونين فيه، وتقرير أعلام فاس أن أفضل المدفونين بالمغرب هم: مولانا إدريس الأكبر بزرهون، ونجله مولانا إدريس الأزهر بفاس؛ الذين كانا السبب الرئيس في دخول الإسلام بالمغرب وانتشاره (2).
ثم ختم المؤلف ذلك بتكملة في ذكر رجال صلحاء وعلماء فقهاء نص على أنهم توفوا بفاس ودفنوا بها، ولم يقف على تعيين ذلك؛ فترجم في هذا الفصل لحوالي مائتي شخصية مرتبين على الحروف الأبجدية المغربية.
والمؤلف في منهجه في الكتاب يذكر بأنه أراد استقصاء من وقف على وفاته ومدفنه بفاس، غير أنه استثنى من لم يتأكد من خبره ومحل دفنه. ثم استطرد في نهاية الكتاب (3: 319) فصلا ذكر فيه جميع من يتضمنهم هذا الاستثناء؛ ليبرئ عهدته من عدم ذكره، قائلا: ((ذكرتهم الآن تتميما للفائدة والغرض، وأداء لبعض حقهم المفترض، بقدر الطاقة والإمكان، في مستصعب هذا الزمان، على حسب ما يذكر على ألسنة الناس، متبرئا من عهدة ما عسى أن يكون طرأ في بعضهم من التغيير والإلباس؛ كذكر الرجل في محل تعبده وسكناه، كما تحققناه في بعض من تركناه. وكتبديل اسمه أو تحريفه، أو نقصه أو تصحيفه ... إلى غير ذلك من تغييرات العامة المعروفة، وتخليطاتهم المألوفة، وذكرت في خلالهم بعض من كان يحق ذكره في داخل الكتاب؛ لكنه لم يذكر فيه لسبب من الأسباب، وربما كررت ذكر البعض ممن هو مذكور فيه؛ لأمر ما، يوجبه أو يقتضيه ... )).
وقد رتب المؤلف تراجم هذا الفصل على أحياء فاس؛ بحيث يذكر كل حي ومن وقف على مدفنه فيه. وضمن هذا الفصل حوالي ثلاثمائة واثنين وثمانين ترجمة واسما.
وتكمن أهمية هذا الفصل: في أنه يترجم للطبقة البائدة والقديمة من صلحاء فاس وعلمائها، والتي هي أحوج طبقة للبحث والتنقيب، بذل المؤلف في التعرف عليها جهدا وجردا ميدانيا لا يعرف لدا المؤرخين المغاربة إلا نادرا، بحيث يصف كل قبر ومحله وصفا كأنه يقود القاريء من يديه.
ومن أهم ما ينتبه له القارئ: تعدد عدة أسماء، والتي يغلب على الظن أنها ألقاب وليست أسماء؛ خاصة اسم: "سيدي المخفي". والأقرب للبال أن أصحاب هذا الاسم هم من الأشراف الأدارسة الذين فروا من ظلم موسى ابن أبي العافية وأذيال العبيديين والأمويين الذين راموا اقتلاع شأفة الأشراف من المغرب، فكان أهل فاس يؤوونهم في بيوتهم، وربما توفي كثير منهم وهم في حالة اختفاء، فسموا تدليسا بسيدي المخفي. وضاع الاسم الحقيقي ليبقى اللقب محفوظا عبر الأجيال. وقد يكونون ممن اختفى من صلحاء وعلماء فاس في فتن أخرى غير فتنة الأدارسة. وعلى كل؛ فحفظ قبورهم، ومواقعها تلك الأزمان البائدة يدل على أنهم – رضي الله عنهم – كانوا من ذوي المقادير.
¥