ثم ختم المؤلف – رضي الله عنه – هذه التنبيهات بجرد لأهم المصادر التي اعتمدها في الكتاب؛ ليخلص إلى ذكر حوالي مائة وأربعين كتابا كانت اللبنات الأساسية التي بنى بها المؤلف كتاب "السلوة" على مدى أربعة عشر عاما، وإن كان في طي الكتاب رجع إلى ما لا يقل عن ضعف ذلك العدد.
ويشار بالمناسبة، إلى أن عدد الأعلام الذين أحصت هذه الطبعة ذكرهم يكاد يبلغ الألف وتسعمائة ترجمة: أربعمائة منها مذكورة في الجزء الأول من الكتاب، وأربعمائة وخمسون منها في جزئها الثاني، وألف وخمسون ترجمة في الجزء الثالث والأخير: من ضمنها حوالي ثلاثمائة ترجمة، لم يعرّف المؤلف إلا بأسماء أصحابها.
جـ - قيمة "سلوة الأنفاس":
لقد لقيت "سلوة الأنفاس" صدى واسعا في المغرب والمشرق وأوروبا، واعتنى بها العلماء والباحثون دراسة ونقدا، وتذييلا واستدراكا. فما هي الأسباب التي ميزت "السلوة" بهذا الاعتناء دون غيرها من كتب تاريخ فاس، بل والتاريخ المغربي بعامة؟.
يمكن تلخيص أهم البنود التي ميزت "سلوة الأنفاس" في النقاط التالية:
? تعد "سلوة الأنفاس" أكبر موسوعة لتراجم أعلام فاس، بما ضمته من حوالي ألفي ترجمة؛ الأمر الذي فاقت به كل ما كتب قبلها في هذا الباب بخصوص فاس، وجعلها عمدة في التراجم لمن بعدها.
? مقدمة "السلوة"؛ والتي جاءت على خلاف كتب التواريخ من حيث التصدير بذكر البناء والتأسيس والعادات ... فالمؤلف إنما صدرها بذكر القبور وزيارتها، وجميع ما يتعلق بذلك، والأولياء والصالحين ومناقبهم في الحياة وبعد الممات. الأمر الذي يعكس الشخصية الصوفية للمؤلف رحمه الله تعالى. وقد اعتمدت هذه المقدمة – كما أسلفنا – عند العديد من المؤرخين والفقهاء، والكتاب في تلك المجالات.
? اعتناء المؤلف بذكر مآثر فاس، ومقاماتها، ومزاراتها، وجميع ما يتعلق بذلك، بحيث ما اعتيد أن يكون في المقدمة وزعه على مظانه من محال الكتاب. الأمر الذي عز اعتناء مؤرخيها به.
? الدقة في نقل الأخبار، وتحرير الولادات والوفيات، ومحال الدفن، وهي دقة لم تعهد في كتابات التاريخ المغربية على الأقل.
? أسلوب كتابة "السلوة". فكاتب "السلوة" فقيه محدث بالأصالة، ومؤرخ بالتبحر والاطلاع. فهو يحرر تراجم الكتاب على طريقة تحرير المسائل الفقهية والحديثية؛ الأمر الذي أكسبها ثراء وعمقا ورونقا عز نظيره بين الكتابات التاريخية.
? منهج المؤلف. فالمؤلف – رضي الله عنه – يدور دورة حلزونية على زقاق ودروب وأحياء فاس؛ الأمر الذي حفظ به معالمها وطريقة بنائها، وهي التي قيل فيها: ((لا يوجد بها موضع شبر إلا وفيه عالم أو ولي صالح!)). ثم يعتني بإيراد أبيات منظومة الشيخ المدرع في صلحاء فاس عند ذكر ترجمة من التراجم ذكرت في المنظومة المذكورة. وفي خاتمة الكتاب يصبح الكتاب معجما بذكر أعلام وصلحاء فاس. فجمع الكتاب بين أساليب ثلاثة:
أ السيرورة الجغرافية. وهي نفس الطريقة التي سبقه بها ابن عيشون الشراط في "الروض العاطر الأنفاس". وهذا الأسلوب – أسلوب البحث الميداني – من أرقى أساليب البحث العلمي الحديثة وأنجعها.
ب شرح منظومة المدرع. فالباحث والمتمعن لا يخفاه أن كتاب "السلوة" يمكن أن يعد شرحا واستدراكا لمنظومة المدرع في صلحاء فاس، وعدة منطومات في التراجم مذكورة في محلها.
ج المعجم. وهو أسلوب معروف في كتابة التراجم، وقد دأب عليه المؤرخون منذ القرن الرابع الهجري.
فكتاب "السلوة" يجمع بين هذه المناهج الثلاثة. دامجا بين الأول والثاني، ومذيلا بالثالث.
· جاء كتاب "السلوة" في فترة تعد فترة حاسمة في التاريخ المغربي من جميع النواحي: العلمية، والسياسية، والاجتماعية. وهي فترة ماقبيل الاستعمار الفرنسي والإسباني. فحفظ لنا الكتاب صورة المجتمع المغربي الفاسي في تلك الفترة فكريا واجتماعيا أولا. وشكل نبراسا وداعية لكل من جاء بعده في مختلف مدن المغرب للكتابة على ضوئه ونهجه، خاصة وأن مؤلفه كان شيخ الإسلام بالمغرب، وإمام الأئمة في مختلف مجالات المعرفة. إضافة إلى زكائه الديني والأخلاقي والوطني والجهادي ...
· اعتنى المؤلف – رحمه الله – بتراجم من ثبت عنده إقبارهم ودفنهم بمدينة فاس فقط، دون من ثبت وفاته خارجها، وإن كان من أهلها، كما ترجم لمن كان من غير أهلها وصادفته المنية بها، أو أقبر بغيرها ثم نقل إليها.
¥