ويشرح المؤلف في وضوح منهجي، الهدف من التقسيم بين المشرق والمغرب في تاريخه للقراءات، فيؤكد أن هذا التقسيم لا يمس جوهر موضوع القراءات، فلا توجد قراءة مشرقية وأخرى مغربية، فالقرآن الكريم نص واحد محكم لا اختلاف فيه، وطرق أدائه المتعددة تعود كلها إلى الحروف المرخص فيها كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم يخلص المؤلف إلى القول إن التقسيم الوارد في الكتاب إنما يعني أساساً إبراز نشاط الأمصار المغربية في الأندلس (أسبانيا حالياً) وبلاد المغرب العربي، والمشرقية في مصر والعراق والشام وغيرها في علم القراءات، من حيث ضبط الروايات وتصحيحها، وتعليلها، وكيفية أدائها نطقاً ورسماً.
وفي هذا السياق يذهب المؤلف إلى القول إن هذا النشاط متواصل، متماسك في تدوينه ونقله، لتوثق العلاقات بين الأئمة، وحرصهم على ضبط الأسانيد والقيام بالرحلات العلمية، بحيث يكون الإمام القارئ ينتمي إلى عدة حواضر في الأقاليم الإسلامية. ويوضح المؤلف أن دواعي هذا التقسم إنما تستجيب للمنهج التاريخي الذي يرمي إلى الربط بين الظواهر المعنية، وبين ملابساتها الزمنية، وظروفها المكانية.
وعلى هذا النحو المتسق، والمنهج السديد، يمضي المؤلف في إيفاء موضوع تاريخ القراءات حقه وافراً، في أناة وتثبت تعجبني في مؤلفات هذا الرجل وفقه الله وبارك في علمه، وفي أصالة وعمق، وفي استفاضة وسعة، بحيث يمكن القول إجمالاً:
إن هذا الكتاب جاء ليسد فراغاً كان يستشعره المشتغلون بتاريخ القراءات في الربط بين حلقات تاريخه في المشرق والمغرب، في نسق متكامل مترابط. وهذه ميزة من أهم مميزات هذا الكتاب.
وقد اعتمد المؤلف في كتابه على عدد من المصادر القديمة التي طبعت والتي لا يزال بعضها مخطوطاً، كما اعتمد على عدد من البحوث والدراسات الجامعية التي لم تطبع بعد وخاصة في بلاد المغرب التي يحظى علم القراءات عندهم بعناية كبيرة، مع ندرة ما يصلنا في المشرق من هذه البحوث والدراسات، وهذه ميزة من مميزات هذا الكتاب على الكتب التي كتبت في موضوعه وأخلت بهذا الجانب التاريخي المهم.
أبواب الكتاب:
قسم المؤلف كتابه هذا إلى:
تمهيد.
تحدث فيه المؤلف باختصار وتركيز عن جمع القرآن، ونشأة مدارس القراءات كما سماها في الحجاز والشام والبصرة والكوفة، وتطور هذه المدارس، ومنهجه في الكتاب. ثم تحدث عن ضوابط علم القراءات فتحدث عن التواتر وعن رسم المصحف وعن مخارج الحروف وتطبيقات العلماء وغير ذلك من المسائل ذات الصلة.
الباب الأول: عصر الأئمة والرواة.
تحدث فيه عن القراء السبعة، واختيارهم وأصولهم ومفرداتهم. ثم تحدث في آخر الباب عن القراء السبعة الآخرون وهم الثلاثة المكملين للعشرة، والأربعة المكملين للأربعة عشر.
الباب الثاني: عصر التدوين.
تحدث فيه عن ابن مجاهد وكتاب السبعة، وكيف كانت القراءات في بغداد قبل ابن مجاهد. ثم تحدث عن ابن مهران والقراء العشرة، وكيف كانت القراءات في خراسان قبل ابن مهران. ثم تحدث في الفصل التالي عن ابن غلبون وتحدث عن مشاهير القراء في مصر بين ورش وابن غلبون صاحب كتاب التذكرة.
وهكذا يستمر المؤلف على هذا النسق في بقية أبواب كتابه النفيس، الذي أقترح على مشايخنا في أقسام الدراسات القرآنية أن يكون هذا الكتاب هو المرجع في دراسة القراءات في الدراسات العليا ولا سيما في مرحلتي الدكتوراه والماجستير، حيث إنه فيما رأيت أفضل كتاب في هذا الباب ومنهجه منهج أكاديمي يصلح للمدارسة في هذه المرحلة.
الباب الثالث: مدرسة القيروان وتأثيرها في الأندلس.
الباب الرابع: المدرسة الأندلسية.
الباب الخامس: عصر التثبيت والتكميل (أدبيات الشاطبية: بين الأندلس والشرق).
الباب السادس: المدرسة المغربية.
الباب السابع: المدرسة الشنقيطية. وهذا الباب وما بعده مما انفرد به هذا الكتاب، ولم أجد تأريخاً للقراءت في شنقيط بمثل هذا التفصيل في غير هذا الكتاب.
الباب الثامن: آراء العلماء الشناقطة في التجويد.
الخاتمة.
أرجو أن يكون هذا العرض حافزاً لإخواني لاقتناء هذا السفر النفيس والاستفادة منه، أسأل الله أن ينفعنا جميعاً بالعلم، وأن يجزي مصنفه خيراً.
ـ[ابن عبدالباقى السلفى]ــــــــ[28 - 01 - 07, 06:52 م]ـ
¥