الكفر نوعان:أحدهما كفر أكبر، وهو: جحد ما لايتم الإسلام بدونه.الثاني: كفر أصغر، وهو: جحد ما لايتم كمال الإسلام بدونه.ثم ذكر الفروق بين الكفر الأكبر والأصغر.
أقول: لقد تعجبت كثيرا من تعريف الكفر الأكبر، والأصغر بما ذكره، ولاسيما أنه أشار إلى مرجعه فيه، وهو مدارج السالكين لابن القيم، واستبعدت أن يقع ابن القيم في هذا الخطأ، ولهذا أسرعت بمراجعة الموضع الذي أحال عليه المؤلف من مدارج السالكين، فإذا ابن القيم رحمه الله يقول فيه:وكفر الجحود نوعان: كفر مطلق عام، وكفر مقيد خاص.فالمطلق أن يجحد جملة ماأنزله الله، وإرساله الرسول صلى الله عليه وسلم، والخاص المقيد: أن يجحد فرضا من فروض الإسلام، أو تحريم محرم من محرماته أو صفة وصف الله بها نفسه، أو خبرا أخبر الله به، عمدا، أو تقديما لقول من خالفه عليه لغرض من الأغراض وأما جحد ذلك جهلا أو تأويلا يعذر فيه صاحبه فلايكفر صاحبه به كحديث الذي جحد قدرة الله عليه، وأمر أهله أن يحرقوه ويذروه في الريح ومع هذا فقد غفر الله له، ورحمه لجهله؛ إذ كان ذلك الذي فعله مبلغ علمه، ولم يجحد قدرة الله على إعادته عنادا أو تكذيبا.انتهى كلام ابن القيم رحمه الله والذي أحال عليه المؤلف في بيان مصدر تقسيمه المذكور، وشتان بين ماذكره ابن القيم ومافهمه المؤلف من كلامه، فابن القيم يتكلم عن أحد أنواع الكفر الأكبر، وهو كفر الجحود، فذكر أن كفر الجحود نوعان، وكلاهما كفر أكبر، ولهذا استثنى ما إذا جحد ذلك جهلا أو تأويلا يعذر فيه صاحبه فإنه لا يكفر به، فمن أين أخذ المؤلف من كلام ابن القيم هذا أن الكفر نوعان: أكبر وهو جحد مالايتم الإسلام بدونه، وأصغر وهو جحد ما لايتم كمال الإسلام بدونه؟. والجحد هو نقيض الإقرار، جحده يجحده جحدا وجحودا. قاله ابن سيده في المحكم 3/ 44. وقال الجوهري: الجحود الإنكار مع العلم. (الصحاح 2/ 451).
ويكثر في كلام العلماء التسوية بين الجحد والإنكار لتقاربهما في المعنى، وإن كان بينهما فروق دقيقة. (انظر نواقض الإيمان الاعتقادية 2/ 59)
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الجحود ضرب من الكذب والتكذيب بالحق المعلوم (الفتاوى الكبرى 5/ 198).
وبعد هذا أقول: إن تعريف المؤلف للكفر الأكبر بأنه:جحد مالايتم الإسلام بدونه تعريف قاصر؛ لأنه تعريف للكفر ببعض أنواعه؛ فالكفر الأكبر لا يكون بالجحد فقط بل يكون بالإباء وبالإعراض وغير ذلك من أنواع الكفر الأكبر التي ذكرها المؤلف في ص 183.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الكفر لو كان مجرد الجحد أو إظهار الجحد لما كان إبليس كافرا إذ هو خلاف نص القرآن (شرح العمدة له بتحقيق المشيقح2/ 86).
وقال أيضا: فإن إبليس لما ترك السجود المأمور به لم يكن جاحدا للإيجاب؛ فإن الله باشره بالخطاب، وإنما أبى واستكبر وكان من الكافرين (مجموع الفتاوى 20/ 97).
وقال أيضا: فهل جحد إبليس ربه، وهو يقول {رب بما أغويتني} ويقول {رب فأنظرني إلى يوم يبعثون}، إيمانا منه بالبعث، وإيمانا بنفاذ قدرته في إنظاره إياه إلى يوم يبعثون، وهل جحد أحدا من أنبيائه أو أنكر شيئا من سلطانه، وهو يحلف بعزته؟، وهل كان كفره إلا بترك سجدة واحدة أمر بها فأباها؟ (مجموع الفتاوى 7/ 317).
وقالت اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله: تفسير الكفر المخرج من الملة بالجحود فقط غير صحيح (فتاوى اللجنة الدائمة 2/ 52).
كما أن الكفر لا يختص بالاعتقاد بل يكون بالقول وبالفعل أيضا وإن لم يكن معهما جحد.
قال السبكي: التكفير حكم شرعي سببه جحد الربوبية، أو الوحدانية، أو الرسالة، أو قول، أو فعل حكم الشارع بأنه كفر، وإن لم يكن جحدا.
(فتاوى السبكي 2/ 586)
وقال الشيخ بكر أبوزيد: الكفر يكون بالاعتقاد وبالقول وبالفعل وبالشك وبالترك، وليس محصورا بالتكذيب بالقلب كما تقوله المرجئة (درء الفتنة عن أهل السنة/27)
¥