فهي تشمل جوانب الحياة كلها، ولهذا جاء في الحديث "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق " رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، وهو حديث صحيح، وفي بعض ألفاظه "مكارمالأخلاق".وقد قال تعالى {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} سورة الأحزاب: 21
والعلماء الذين فرقوا بين النبي والرسول بأن النبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه ذكروا أن فائدة ذلك إحياء الشرع بمعنى أن من رآه اقتدى به واتبعه دون أن يلزم بإبلاغه.
انظر مجموع فتاوى ابن عثيمين 1/ 314
والحاصل أن كل مافي هذه السورة الكريمة من مواقف يوسف عليه السلام هي مواقف نبي كريم ورسول مخلص لازمه حفظ الله لأوليائه وعصمته لأنبيائه من أول أمره إلى آخره، وهي مواقف نبي يتأسى بها ويقتدى بها كما قال تعالى: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} (سورة الأنعام: 90).إلا ما نسخ من شرائع الأنبياء السابقين فإننا لا نعمل به، وإنما نعمل بما نسخه من شريعتنا
ولهذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يوسف مع إبراهيم ولوط في حديث واحد، وأثنى على صبر يوسف عليه السلام المذكور في هذه السورة فقال:" نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال {رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي}، ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي " متفق عليه.قال النووي: هو ثناء على يوسف عليه الصلاة والسلام وبيان لصبره وتأنيه.والمراد بالداعي رسول الملك الذي أخبر الله سبحانه وتعالى أنه قال {ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله مابال النسوة اللاتي قطعن أيديهن} فلم يخرج يوسف مبادرا إلى الراحة ومفارقة السجن الطويل، بل تثبت وتوقر وراسل الملك في كشف أمره الذي سجن بسببه ولتظهر براءته عند الملك وغيره، ويلقاه مع اعتقاده براءته مما نسب إليه ولا خجل من يوسف ولا غيره، فبين نبينا صلى الله عليه وسلمفضيلة يوسف في هذا وقوة نفسه في الخير وكمال صبره وحسن نظره. وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه ما قاله تواضعا وإيثارا للإبلاغ في بيان كمال فضيلة يوسف.
شرح النووي على مسلم ص 189 طبعة بيت الأفكار الدولية
ولم يزل العلماء يستدلون على بطلان بعض الإسرائيليات المنقولة في تفسير هذه السورة
بأن مافيها لايليق بنبي فيستدلون بذلك على بطلانها.قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وهو سبحانه وله الحمد لم يذكر عن نبي من الأنبياء ذنبا إلا ذكر معه توبته لينزهه عن النقص والعيب، ويبين أنه ارتفعت منزلته وعظمت درجته، وعظمت حسناته وقربه إليه بما أنعم الله عليه من التوبة والاستغفار والأعمال الصالحة التي فعلها بعد ذلك، وليكون ذلك أسوة لمن يتبع الأنبياء ويقتدي بهم إلى يوم القيامة. ولهذا لما لم يذكر عن يوسف توبة في قصة امرأة العزيز دل على أن يوسف لم يذنب أصلا في تلك القصة، كما يذكر من يذكر أشياء نزهه الله منها بقوله تعالى: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين} (منهاج السنة 2/ 411).
ولما دعا عمر رضي الله عنه أباهريرة ليوليه أبى، فقال له: تكره العمل، وقد طلب العمل من كان خيرا منك: يوسف عليه السلام؟ فقال أبوهريرة: يوسف نبي ابن نبي ابن نبي، وأنا أبوهريرة بن أميمة.سير أعلام النبلاء 2/ 612.
يشير عمر إلى قول يوسف للملك في هذه السورة {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم}، فاحتج أبوهريرة بأن يوسف نبي فهو أهل لذلك المنصب ولا يخشى عليه فهومعصوم ولم يقل إن ذلك تجربة إنسانية لا علاقة لها بالنبوة.
مع أننا لا نسلم أنه ليس في السورة دعوة إلى التوحيد كما توهم عمرو خالد، وحسبك دعوة يوسف لصاحبي السجن، وقوله: {ياصاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار. ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان، إن الحكم إلا لله، أمر ألا تعبدوا إلا إياه، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.
وفي السورة مواضع متعددة تشير بوضوح إلى نبوته عليه الصلاة والسلام. فقد قال تعالى في أولها: {وكذلك يجتبيك ربك} قال ابن عباس رضي الله عنهما: يصطفيك بالنبوة.
{ويعلمك من تأويل الأحاديث، ويتم نعمته عليك} قال ابن عباس: بالنبوة.
¥