فاللحية علامة رجولة. قال الإمام الشافعي: اللحية من تمام خلقة الرجل. (الأم 6/ 83)
وفي ترجمة قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي الصحابي الجليل الفارس الشجاع
الجواد أنه لم تكن تنبت له لحية، فكان الأنصار يقولون: ودِدنا أن نشتري لقيس بن سعد لحية بأموالنا. (انظر الإصابة 5/ 473)
وقال ابن هبيرة: وأجمعوا على أنه إذا ضرب رجلا رجلا فذهب شعر لحيته فلم ينبت أن عليه الدية إلا الشافعي ومالك فإنهما قالا: فيها حكومة (الإفصاح 10/ 74).
والمقصود أن شأن اللحية عظيم، فهل يليق بمن يدعو الناس إلى الالتزام بالدين والاستمساك بالسنة أن يظهر في صورة تشهد عليه بالمخالفة لما يدعو له؟!
وفي هذا الأمر عدة محاذير، وهي مايلي:
الأول: أنه يزهد الناس في سماع هذا الداعية؛ لأنهم يقولون:كيف تدعونا إلى الالتزام والاستقامة،وأنت تخالف ما تدعو إليه، فلو كان علمك ودعوتك نافعة لكنت أول من ينتفع بها، فلسنا في حاجة إلى علم أو دعوة لن تنفعنا؛ لأنها لم تنفع صاحبها أصلا، فكيف تنفع غيره؟
قال إبراهيم النخعي رحمه الله: كانوا إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه نظروا إلى سمته، وإلى صلاته، وإلى حاله ثم يأخذون عنه.
(الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي 1/ 193).
وقال أبو العالية: كنا إذا أتينا الرجل لنأخذ عنه نظرنا إلى صلاته، فإن أحسن الصلاة أخذنا عنه، وإن
أساء الصلاة لم نأخذ عنه.
(المحدث الفاصل للرامهرمزي /409).
وقال ابن جماعة الكناني: إذا لم ينتفع العالم بعلمه فغيره أبعد عن الانتفاع به.
(تذكرة السامع والمتكلم/50)
الثاني: أنه يجعل الناس يجتنبون هذا الداعية؛ لأن العلم والدعوة إنما يؤخذ عن الثقات العدول، وليس عمن يجاهر بالمعصية، ويتصف بالفسق.
قال الخطيب البغدادي: اتفق أهل العلم على أن السماع (يعني سماع الحديث) ممن ثبت فسقه لا يجوز.
(الجامع 1/ 196).
وقال محمد بن سيرين التابعي الجليل: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم.
وقال سعد بن إبراهيم: لا يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الثقات.معناه: لايقبل إلا من الثقات.
وسئل القاسم بن عبيدالله بن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم عن شيء لم يكن عنده فيه علم، فقال له يحيى بن سعيد: يا أبا محمد، إنه قبيح على مثلك، عظيم أن تُسأل عن شيء من أمر هذا الدين فلايوجد عندك منه علم.وفي الرواية الأخرى: واللهِ إني لَأُعْظِمُ أن يكون مثلُك، وأنت ابن إمامَيْ الهدى يعني عمر وابن عمر، تُسأل عن أمر ليس عندك فيه علم.فقال القاسم: أعظم من ذلك عند الله، وعند مَنْ عَقَلَ عن الله أن أقول بغير علم، أو أخبر عن غير ثقة وفي الرواية الأخرى: أن أقول بغير علم، أو آخذ عن غير ثقة.
(مقدمة صحيح مسلم مع شرح النووي طبعة بيت الأفكار الدولية /5456).
وفي الحديث الضعيف الذي قواه بعض العلماء: " يَحْمل هذا العلمَ من كل خَلَف عدولُه، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين "
قال العلماء: هذا أمر للثقات بحمل العلم؛ لأن العلم إنما يقبل عن الثقات.
(انظر فتح المغيث للسخاوي الطبعة الهندية 2/ 15).
الثالث: أن الناس إذا رأوا العالم أو الداعية يحلق لحيته قلدوه في ذلك، وهانت عليهم تلك المعصية وربما حملهم حسن الظن به على الاستدلال بفعله على أن حلقها جائز؛ استبعادا منهم أن يقدم العالم والداعية على حلق لحيته، وهو يعلم أنه معصية، فيقتدون به في ذلك، فيكون العالم أو الداعية سببا في معصيتهم.
وقد بوب البيهقي رحمه الله على هذا في كتابه المدخل فقال: باب ما يستحب للعالم من توقي المشتبهات لئلا يغتر به الجاهل فيقع في الحرام.
(المدخل إلى السنن الكبرى 2/ 94). ثم ذكر الآثار الواردة في ذلك.
وسأل سائل اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ العلامة ابن باز، وعضوية المشايخ العلماء عبدالرزاق عفيفي وابن قعود رحمهم الله، وابن غديان، فقال:
¥