تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بَلْ تُكْرَهُ الشُّهْرَةُ فِي تَعْظِيمِهَا كَمَا يُكْرَهُ فِي تَقْصِيرِهَا كَذَا قَالَ. وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْخَبَرِ فِي الْأَمْرِ بِتَوْفِيرِهَا , قَالَ وَالْمُخْتَارُ تَرْكُهَا عَلَى حَالِهَا وَأَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لَهَا بِتَقْصِيرٍ وَلَا غَيْرِهِ , وَكَانَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ النُّسُكِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى اِسْتِحْبَابِهِ فِيهِ. قُلْت: لَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ لَكَانَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ أَحْسَنَ الْأَقْوَالِ وَأَعْدَلَهَا , لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ إِذَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ يُؤْخَذُ الزَّائِدُ , وَاسْتَدَلَّ بِآثَارِ اِبْنِ عُمَرَ وَعُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَهُوَ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ أَحَادِيثَ الْإِعْفَاءِ الْمَرْفُوعَةِ الصَّحِيحَةِ تَنْفِي هَذِهِ الْآثَارَ. فَهَذِهِ الْآثَارُ لَا تَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهَا مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ الصَّحِيحَةِ , فَأَسْلَمُ الْأَقْوَالِ هُوَ قَوْلُ مِنْ قَالَ بِظَاهِرِ أَحَادِيثِ الْإِعْفَاءِ وَكَرِهَ أَنْ يُؤْخَذَ شَيْءٌ مِنْ طُولِ اللِّحْيَةِ وَعَرْضِهَا , وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اِعْلَمْ أَنَّ أَثَرَ اِبْنِ عُمَرَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الطَّبَرِيُّ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِ: وَكَانَ اِبْنُ عُمَرَ إِذَا حَجَّ أَوْ اِعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ , فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ. قَالَ الْحَافِظُ: هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إِلَى نَافِعٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: كَانَ اِبْنُ عُمَرَ إِذَا حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ , وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مِقْدَارُ الْمَأْخُوذِ. قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: لَعَلَّ اِبْنَ عُمَرَ أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ فِي النُّسُكِ فَحَلَقَ رَأْسَهُ كُلَّهُ وَقَصَّرَ مِنْ لِحْيَتِهِ لِيَدْخُلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} وَخُصَّ ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ: " وَوَفِّرُوا اللِّحَى". فَحَمَلَهُ عَلَى حَالَةٍ غَيْرِ حَالَةِ النُّسُكِ. قَالَ الْحَافِظُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ اِبْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَخُصُّ هَذَا التَّخْصِيصَ بِالنُّسُكِ بَلْ كَانَ يُحْمَلُ الْأَمْرُ بِالْإِعْفَاءِ عَلَى غَيْرِ الْحَالَةِ الَّتِي تَتَشَوَّهُ فِيهَا الصُّورَةُ بِإِفْرَاطِ طُولِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ أَوْ عَرْضِهِ اِنْتَهَى. وَقَالَ فِي الدِّرَايَةِ: قَوْلُهُ إِنَّ الْمَسْنُونَ فِي اللِّحْيَةِ أَنْ تَكُونَ قَدْرَ الْقَبْضَةِ , رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَرْوَانَ بْنِ سَالِمٍ: رَأَيْت اِبْنَ عُمَرَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ لِيَقْطَعَ مَا زَادَ عَلَى الْكَفِّ , وَأَخْرَجَهُ اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ سَعْدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. وَرَوَى اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ , وَهَذَا مِنْ فِعْلِ هَذَيْنِ الصَّحَابِيَّيْنِ يُعَارِضُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: (اُحْفُوا الشَّوَارِبَ وَاعْفُوا اللِّحَى). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ اِبْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " خُذُوا الشَّوَارِبَ وَاعْفُوا اللِّحَى ". وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَى الِاسْتِئْصَالِ أَوْ مَا قَارَبَهُ , بِخِلَافِ الْأَخْذِ الْمَذْكُورِ. وَلَا سِيَّمَا أَنَّ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي رَوَاهُ اِنْتَهَى. قُلْت: فِي هَذَا الْجَمْعِ نَظَرٌ كَمَا لَا يَخْفَى. قَوْلُهُ: (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير