تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإلى من زاد على الإبالة ضغثاً، وفاق كل من سبقه، وخالف كل مظنون، حتى كدنا نتوهم الموضوع صحيحاً، أبت النفوس اللئيمة ان تغادر الدنيا، حتى تسيء إلى من أحسن إليها وكان من فعله ان أخرجت هذا الكتاب من محبسه، الذي طال أكثر من عشر سنوات,, إلى هؤلاء وأمثالهم، ممن أظلت الزرقاء، وأقلّت البلقاء جزاء وفاقاً (ص 5 6).

أما المؤلف ابن المرزبان فقد قال في سبب تأليف كتابه هذا: وسألتني أعزّك الله تعالى، أن أجمع لك، ما جاء في فضل الكلب على شرار الإخوان، ومحمود خصاله في السر والإعلان، فقد جمعت ما فيه كفاية وبيان,, ولست أشك أنك أعزك الله عارف بخبر عبدالله بن هلال الكوفي الحميري المجذوم صاحب الخاتم، وخبره مع جاره، لما سأله ان يكتب كتاباً إلى ابليس لعنه الله في حاجة له.

فإن كان العقل يدفع ذلك الخبر، فهو مثل حسن، يعرف في الناس، فكتب إليه الكتاب، وأكده غاية التأكيد، ومضى وأوصل الكتاب إلى ابليس، فقرأه وقبله ووضعه على عينه، وقال: السمع والطاعة، لأبي محمد فما حاجتك؟

قال: لي جار مكرم لي، شديد الميل إليّ، تفوق علي وعلى أولادي، إن كانت لي حاجة قضاها، أو احتجت إلى قرض أقرضني واسعفني، وان غبت خلفني في أهلي وولدي، يبرهم بكل ما يجد إليه السبيل، من غير أن يناله منا عوض أو شكر,.

وابليس كلّما سمع منه يقول: هذا حسن، وهذا جميل، وهذا جيد، فلما فرغ من وصفه قال إبليس: فما تحب أن أفعل به؟

قال: أريد أن تزيل عنه نعمته، وتفقره فقد غاظني أمره، وكثرة ماله، وبقاؤه وطول سلامته.

فصرخ ابليس صرخة، لم يسمع مثلها منه قط، فاجتمع إليه عفاريته وجنده، وقالوا له: ما الخبر؟ يا سيدهم ومولاهم, فقال لهم: هل تعلمون ان الله عز وجل، خلق خلقاً هو شر مني؟ قالوا: لا, قال إبليس: فانظروا إلى صاحب هذا الكتاب القائم بين يدي، فهو شر مني.

ولو فتشت في دهرنا هذا لوجدت مثل صاحب الكتاب كثيراً، ممن نعاشرهم، إذا لقيك رحب بك، وإذا غبت عنه أسرف في الغيبة، وتلقاك بوجه المحبة، ويضمر لك الغش والمسبة,, وقد حلمت ما جاء في الغيبة، قال صلى الله عليه وسلم: إياكم والغيبة، فإنها شر من الزنا، إن الرجل ليزني ويتوب، فيتوب الله عليه، وصاحب الغيبة لا يغفرها الله، حتى يغفرها صاحبها (ص 45 48).

ثم بدأ المؤلف، يورد أقوالاً في مكانة الوفاء عند الكلاب، وبعض الوقائع المثبتة لوفاء الكلاب,, فقد روى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً قتيلاً، فقال عليه الصلاة والسلام: ما شأن هذا الرجل قتيلاً؟ فقالوا: يا رسول الله، إنه وثب على غنم بني زهرة، فأخذ منها شاة، فوثب عليه كلب الماشية فقتله: فقال صلى الله عليه وسلم: قتل نفسه، وأضاع ديته، وعصى ربه عز وجل، وخان أخاه، وكان الكلب خيراً من هذا الغادر ثم قال صلى الله عليه وسلم: أيعجز أحدكم أن يحفظ أخاه المسلم في نفسه وأهله، كحفظ هذا الكلب ماشية أربابه ورأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعرابياً يسوق كلباً، فقال: ما هذا معك؟.

فقال: يا أمير المؤمنين، نعم الصاحب، ان اعطيته شكر، وان منعته صبر قال عمر: نعم الصاحب فاستمسك به, وروي ان بعض الحكماء طلب منه رجل أن يوصيه فقال: ازهد في الدنيا ولا تنازع فيها أهلها، وانصح لله تعالى كنصح الكلب لأهله، فإنهم يجيعونه ويضربونه، ويأبى إلا أن يحوطهم نعماً.

وقال الأحنف بن قيس: إذا بصبص الكلب لك فثق بود منه، ولا تثق ببصابص الناس، فرب مبصبص خوان.

وقال الشعبي: خير خصلة في الكلب انه لا ينافق في محبته، وقال ابن عباس: كلب أمين خير من انسان خؤون.

وأنشد بعضهم:

لكلب الإنس ان فكّرت فيه ... أشدّ عليك من كلب الكلاب

لأن الكلب تخسؤه فيخسا ... وكلب الناس يربض للعتاب

وبعض الأعراب يحب الكلب لخصاله: فهو يدل الضيف عليه، في الليل والعرب تحب الكرم وتمدح باقرار الضيف أو يحرس صاحبه وأغنامه إذا نام، ويدافع عن أولاده كل مصيبة، ويسمون أولادهم عليه: كليب، وكلاب، وأكلب، ومكلب ومكالب,, يقول الأصمعي: سمعت بعض الملوك، وهو يركض خلف كلب، وقد دنا من ظبي، وهو يقول من الفرح: إيه فدتك نفسي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير