غمزُكم لضبطنا مَتْنَ ابنِ الحاجب لا أدري إن كان عن اطلاع وتتبع أم عن ظن وسماع
أقول: لعل الأولى لو فرق الدكتور بين الغمز والتصريح، فإن الغمز على ما هو مقرر عند أهل اللغة قاطبة: الإشارة، وتستخدم في مجال الجرح والتعديل في الكلام الموهم للضعف على ما هو معلوم، بخلاف التصريح بالنقد، ولو قرئ كلامي لوجدتني أصرح بمثل هذا الأمر تصريًحا لا لبس فيه ولا خفاء فالنسخة الصادرة عن المركز بها أخطاء جسيمة، لا سيما في إثبات متن ابن الحاجب (جامع الأمهات) على الشرح، وراجع على سبيل المثال: كتاب الوصايا، كما أن هناك معنًى مغمورًا في لفظ «الغمز» غيرُ محمودٍ من اتصف به، فلو يستعاض عنه بأي لفظ آخر لكان أفضل.< o:p>
ثم أجيبك عن تساؤلك بأن كلامي هذا عن اطلاع وتتبع، وأعوذ بالله من الظن؛ فإن بعض الظن إثم. ومثال على ما قلت ما جاء في التوضيح (3/ 463):< o:p>
المتن: «وَشَرْطُ الْمُسْتَحِقِّ: أَنْ يَكُونَ ذَكَراً, حُرّاً, بَالِغاً, عَاقِلاً, مُسْلِماً, صَحِيحاً, حَاضِرَ الْوَقيعَةِ, قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ».< o:p>
شرح خليل: «يعني: من اجتمعت فيه هذه الشروط أسهم له اتفاقاً وهي ستة».< o:p>
ولا شك أن المثبت في المتن سبعة شروط لا «ستة» كما نص عليه خليل؛ وقد نقل في «التاج» (3/ 369) عن ابن بشير أنه لا خلاف في اشتراط الستة الأول، وعن ابن عرفة: السابع، والله أعلم.< o:p>
وأما عن صدور الكتاب - أعني: جامع الأمهات – في ثوب جديد، فهذا مما يُفْرَحُ به حقًّا، ونحمد الله علي هذا الأمر الجليل، فالمختصر في حاجة ملحة لأن يعاد طبعه بعد تلك الطبعات المشوهة، والله المستعان.< o:p>
وأما ثامنًا (ولا أدري أين «سابعًا»؟!!!):< o:p> فقول الدكتور:
ما ذكرتَه غمزاً ولمزاً من أن الدكتور لا يحقق، وأن العمل يقوم به "الإخوة والباحثون الموجودون في المركز" فاعلم رعاك الله أن أحمد بن عبد الكريم نجيب واحد من الإخوة والباحثين، وأنه يُنصِف الناس من نفسه قبل أن ينصفَها، ولو أنك قرأتَ مقدمة "التوضيح" لوجدت أنه ذَكَرَ كلَّ من ساهم في الكتاب ولو بِجرَّة قلم، بل حتى مدخلي البيانات يذكرون في كتبنا، وهذا بعض فضل الله علينا، وهو ما لا يكاد يفعله غيرنا ...
أقول: هذا الكلام لي عليه مآخذ:< o:p>
أولا: أنبه على ما سبق التنبيه عليه بشأن لفظة «الغمز» و «اللمز».< o:p>
ثانيًا: أنا لم أقل بأنك لم تنصف الناس من نفسك، ولا أردت أن تذكر أسماء الباحثين، فهذا ليس من شأني، وإنما كان انتقادي للأخ المذكور وكل من ينهج نهجه من الإخوة أن يراعوا ويتحروا الصدق في القول فقط، فلم أقصد شخصًا بعينه، وإنما أتكلم في نطاق قول الأخ.< o:p>
ثم لِمَ أقصد معينًا، وقد أصبح جل الناس اليوم - إلا من رحم ربي – يعملون على هذا المبدأ؟ يعمل الباحثون الشرعيون!! على تحقيق الكتاب وتخريج أحاديث وآثاره ونحو ذلك، ثم في نهاية المطاف يصدر الكتاب موسومًا بهذه العبارة العجيبة الغريبة: «حققه وعلق عليه ... »، أو: «دراسة وتحقيق ... » وتضفى تحت اسمه من عبارات المناصب وأوصاف الثناء ما يندى له الجبين إذا ما قورن بالتحقيق الموجود.< o:p>
ولو أنه كتب: «أشرف على تحقيقه ... » ويكون فعلا أشرف على الكتاب إشرافًا يؤدي به أمانة العلم الذي آتاه الله إياه، لكان هذا من إنصافه لنفسه أولا، وللناس ثانيًا، ويكون قد أعذر لربه تعالى يوم يقف بين يديه حين يسأله عن كل شيء، أعاذنا الله من هول هذا الموقف.< o:p>
وبعد، فأقول: اعذروني على هذا التطويل فإنها أنفاث مصدور، وأعيد قولي بأنني لم أقصد أحدًا بعينه، وإنما تعقيبي على كلام الأخ إنما هو من باب النصيحة له ولكل من يطالع الموضوع في هذا الشأن الخطير؛ فكل إنسان محاسب بما يقول، كما صح به الخبر عن الحبيب. وعليه فأرجع عن التعميم في قولي: فالدكتور لا يحقق شيئًا والله المستعان.< o:p>
وأما تاسعًا:< o:p> فجزاك الله خيرًا، هكذا ظَنُّنَا دائمًا بأهل الفضل والخير.< o:p>
وختامًا؛ فإن ما سَطَرْتُهُ هنا من أول الكلام في هذا الموضوع إلى موضعي هذا لم أكتب حرفًا منه - والله رقيب عليَّ - إلا من باب النصيحة لطلبة العلم؛ فإني قد سَبُرْتُ الكتابَ وَعِشْتُ مَعَهُ بُرْهَةً مِنَ الدَّهْرِ، فَلَمَّا أُخْبِرْتُ بِأَنَّ الكِتَابَ سَيُعَادُ طَبْعُهُ أَشَرْتُ عَلَى إِخْوَانِي بِمَا تَرَاءَى لي بِأَلَّا يَشْتَرُوا هَذِهِ النُّسْخَةَ، وأن يصبروا حتى تصدر الطبعةُ الجديدة، وَسَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الطبعةُ عن مَرْكَزِ «نجيبويه» نَفْسِهِ أو بتحقيق الدكتورِ عَلِيٍّ، فالذي يَهُمُّ طَالِبَ العِلْمِ هو التحقيق العلمي الرصين لا مجرد المسميات، وإن كان لِكُلٍّ قَدْرُهُ وَمَقَامُهُ، وَلَكِنْ قال ربي: {والله فضل بعضكم على بعض}.< o:p>
هذا بيان ما أردتُّ بيانه، ونهاية ما قصدت، والله حسبي وهو المستعان، وأسأله سبحانه أن يصلح أحوالنا لما فيه الخير والصلاح، كما أعتذر إلى الدكتور إن كان في كلامي ما تناوله بأذى أو سوء، فليس من شأني -والله- أن أسب أحدًا ولا أن أشهر به، فأبسط عذري لديه، وأتحلله في هذه الدنيا الفانية، قبل ألا يكون دينار ولا درهم، وإنما هي الحسنات والسيئات.< o:p>
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
< o:p>