ثم تنتقل الدراسة لبحث إشكالية العلمانية في العالم الإسلامي، فعلى الرغم من تحول تركيا ذات الرمزية الدينية تاريخياً لدى المسلمين إلى النظام العلماني، فإن المسلمين لا يزالون ينظرون إلى العلمانية بوصفها عدواً لا يمكن التصالح معه. وتشير إلى الخصوصية الأمريكية في النظر إلى العلمانية وأهمية "تعميمها" أو "تصديرها" إلى العالم الإسلامي، فأصحاب الاتجاه الديني المحافظ في الولايات المتحدة الأمريكية، لا يتفقون مع العلمانية المتطرفة، ورغم أنهم يفضلون عدم إنشاء دولة دينية فإنهم في الوقت ذاته يريدون احترام الدين وممارسة العبادات الدينية. "فالآباء المؤسسون" للولايات المتحدة الأمريكية لم يقصدوا فصل الدين عن الحياة العامة.
ثم تبحث الدراسة في قضية حقوق الفرد في المجتمعات الإسلامية، إذ تعد هذه القضية من القضايا المعقدة والمثيرة للجدل، الأمر الذي يمكن رده إلى الاختلاف بين جوهر حقوق الأفراد والجماعات، والطريقة الفريدة التي يعامل الإسلام بها الفرد. وأشارت الدراسة إلى أن مفهوم التوحيد، من وجهة نظر الباحثة، يعني اندماج مؤسسات الدولة وأوليات الفرد من خلال الإقرار بسيادة الله (تعالى). فالفرد لديه التزامات تجاه ربه، والدولة ومؤسساتها لديها دور في تحديد ماهية هذه الالتزامات. في حين أن الخبرة الغربية، تعتبر أن فكرة عبادة الله لا تمارس تحت إكراه الدولة، فهناك حرية للفرد في هذا المجال، الأمر الذي ظهر لدى كل من الإصلاحيين البروتستانت والكاثوليك في عصر التنوير.
ثم تبحث الدراسة في موقف المجتمعات الإسلامية من قضية حقوق المرأة، فترى أن الرجال والنساء في الإسلام عليهم الواجبات والمسؤوليات ذاتها أمام الله (تعالى). فالمرأة لها الحق في الطلاق والميراث، ومارست المرأة في المجتمعات هذه الحقوق قبل تمتع النساء في الدول الغربية.
وأكدت الدراسة أن الانتهاكات التي تمارس في حق المرأة باسم الإسلام اليوم هي ممارسات نابعة من الثقافة، وليس لها بالدين أي صلة، ومن ثَمَّ تقع مسؤولية إصلاح هذه السياسات على المسلمين أنفسهم. وبالنسبة للحريات السياسية وحرية التعبير بالذات، يقر الإسلام، من وجهة نظر الباحثة، باحترام قيم الديمقراطية والحكومة النيابية، فنجد مبدأ الشورى ومبدأ الإجماع وهي ممارسة معروفة في الهيئات النيابية، وكلاهما يتضمن مفهوم حرية التعبير، غير أن الدراسة ترى أن حرية التعبير ليست مطلقة.
ثم تطرح الدراسة تساؤلاً عن مدى إمكان تحقيق التوافق بين مفاهيم الديمقراطية
والموضوع لا يزال مفتوحا للنقاش ...
ـ[أبو أدهم السلفي]ــــــــ[27 - 08 - 09, 04:31 م]ـ
عذرا إن كنت سأطيل عليك هذا الحديث, و لكن أجد أن هذا مما لابد منه هاهنا. إذ لابد من تأصيل موضوع الحرية الفكرية أولا, لذا سأجعل كلامي في عدة حلقات:
الأولى سأخصصها للبحث في مفهوم "الحرية الفكرية" و بيان أوجه الإتفاق و الإختلاف بينه و بين مصطلح "الخلاف"
الثانية و سأجعلها لبيان بداية مصطلح الحرية الفكرية و العلاقة بينه و بين العلمانية و العقلانية التغريبية, و موقف السلفية من ذلك كله.
الثالثة و الأخيرة: بيان لنماذج من الإختلاف بين السلف, و ما أنكره السلف من الفرق المخالفة و درجة الإنكار لبيان حدود الحرية, و منهج التعامل مع الخلاف تبعا لدرجته.
الحلقة الأولى
المبحث الأول: مفهوم الحرية الفكرية:
هذا المصطلح دخيل بعض الشئ على مفرداتنا اللغوية و إن كانت قد وجدت بعض معانيه ضمن مصطلحات أخرى. فمفهوم الحرية الفكرية عند المنادين به هو (قبول رأي الآخر بغض النظر عن مدى مخالفة هذا الرأي لمعتقاداتك وأفكارك الشخصية, و لا يعني هذا القبول إعتناق هذا الفكر, أو عدم مناقشته و محاولة تفنيده, و إنما يعني التعايش معه و عدم محاولة إجهاضه بدعوى المخالفة) هذا هو ما أفهمه من مصطلح "الحرية الفكرية". و عند التأمل في هذا المفهوم, نجد أن الأمر قد رجع إلى وجود الخلاف بين الأفكار و الآراء - بل و المعتقدات أحيانا ليست بالقليلة -. و مصطلح "الخلاف" من المصطلحات الموجودة في تراثنا الشرعي الفكري, و قد حده العلماء و قعدوا له, و هذا هو مبحث النقطة الثانية.
المبحث الثاني: مصطلح "الخلاف":
¥