2 - ومنها: أن أفهام العباد مختلفة متفاوتة، قد فضل الله بعضهم على بعض فيها، فما يدركه هذا لا يفهمه هذا، وما يراه الواحد قد يغيب عن الآخرين.
3 - ومنها: أن قدرة العباد على البحث والاجتهاد مختلفة أيضاً، فما يقدر عليه البعض يعجز عنه البعض، وكل مكلف بما يقدر عليه.
- ومنها: اختلاف طريقة العلم والتعليم بين علماء المسلمين في بلادهم المختلفة، وقد فطر الله العباد على التأثر بما تعلموه أولاً، ومعرفة هذه الأسباب ضرورية في إدراك التعامل الصحيح مع هذا الاختلاف.
فإذا علمنا أن هذه الأسباب لا يمكن إزالتها عرفنا أن الاجتهاد في معرفة الصحيح من مسائل الاختلاف وما يرجحه البعض من أهل العلم فيها بما وصل إلى فهمه وعلمه من أدلة، وبحسب قدرته على النظر والبحث والاجتهاد لن يلغي اجتهاد غيره، ولن يخرج المسألة عن كونها من مسائل الاجتهاد، وبالتالي لا تضيق الصدور بوجود هذا بين أهل العلم خاصة بين أهل السنة وأتباع السلف، كما يحدث لدى كثير ممن تعود السؤال دائماً عن الراجح من الأقوال، وظن أن كل مسألة فيه قول راجح مطلقاً، ولم يتفطن أنه راجح عند فلان، ومرجوح عند غيره. روى ابن عساكر أن أبا جعفر المنصور سأل الإمام مالكاً -رحمه الله- أن يحمل الناس على كتابه الموطأ، فقال له: لا تفعل هذا، فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل وسمعوا أحاديث وروايات، أخذ كل قوم منهم بما سبق إليهم وعملوا به ودانوا به من اختلاف الناس وغيرهم، وإن ردهم عما اعتقدوه شديد، فدع الناس وما هم عليه وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم.
ثانياً: الخلاف غير السائغ (المذموم): و هذا له أحوال:
الحال الأولى: الاختلاف في مسائل العقيدة المتفق عليها عند أهل السنة والجماعة:
فهذا اختلاف مذموم لأن العقيدة ثابتة بنصوص قطعية في الكتاب والسنة وقد أجمع عليها الصحابة فلا يصح أن يكون فيها اختلاف بين المسلمين.
الحال الثانية: الاختلاف في الأدلة القطعية:
والمقصود بها المسائل التي تكون قطعية الثبوت وقطعية الدلالة، مثل وجوب الصلاة والصيام والزكاة، وقطع يد السارق، ورجم الزاني، ووجوب الحجاب وتحريم الخمر، ونحو ذلك.
فالاختلاف في هذه المسائل غير سائغ لأنه لو قبل الخلاف فيها لما بقي شيء من مسائل الدين إلا وأصبح قابلًا للأخذ والرد.
الحال الثالثة: الاختلاف الناشئ عن تعصبٍ أو هوى لا عن حجةٍ وبرهان.
الحال الرابعة: مخالفة ما أجمعت عليه الأمة.
ففي هذه الحالات الأربع يكون الاختلاف مذمومًا، وهو ما يطلق عليه الشارع الافتراق.
المبحث الثالث: أوجه التلاقي و التعارض بين "الحرية الفكرية" و "الخلاف" - من منظور شرعي
مما سبق يتبين أن المصطلحين يتلاقيان في إختلافي التنوع و السائغ (إختلاف التضاد الغير مذموم) , و يتعارضان في الإختلاف المذموم الغير سائغ. ففي الوقت الذي يعتبر فيه المنادون بالحرية الفكرية أن من حق كل إنسان - خصوصا إذا كان من المثقفين و المبدعين - أن يطرح ما توصل إليه و ينادي به, دون أن بكون لك أكثر من حق الإعتراض و عدم الإقتناع و الإعتناق, و دون إدخال الدين في دائرة النقاش, لآن الدين له ثوابته و قواعده و خصوصياته التي قد تتعارض أحيانا مع إبداع العقل - هكذا زعموا-. أما أن يكون هناك حاجز و حد يوقف الإبداع العقلي المزعوم, و يضع له ضوابط و أصول تحفظ على المرء دينه, فليس في حدود الحرية الفكرية عند من ينادون بها, بل إن هذه الضوابط الدينية خانقة للإبداع.
خلاصة الحلقة الأولى:
1 - لم أر من إستخدم مصطلح الحرية الفكرية من السلف و لا حتى من الخلف, و إنما هو مصطلح حادث "مستورد", و سيأتي بيان أصله و الداعي إليه في الحلقة الثانية من البحث.
2 - مصطلح "الخلاف" مصطلح شرعي حده العلماء و وضعوا أصوله و ضوابطه, و هو يشمل إختلاف التنوع (و هو خلاف من قبيل المجاز فقط) , و إختلاف التضاد, و الأخير ينقسم إلى خلاف محمود سائغ, و آخر مذموم غير سائغ.
3 - معظم من يتكلم عن الحرية الفكرية إنما يعني التجاوز عن الخلاف المذموم الغير سائغ.
و في إنتظار مشاركات الأخوة, و إن كنت أظن أن نقل هذا الموضوع إلى المنتدى الشرعي العام سيكون أكثر فائدة.
ـ[د. محمد العطار]ــــــــ[28 - 08 - 09, 12:23 ص]ـ
الاخ ابو ادهم ...
قرات مقالك، وانتظر البقية ...
طبعا لدي ملاحظات عابرة ...
¥