تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

جمعتها من ثنايا الكتب، فأحببت أن أتحف بها القراء الكرام، لأدلل أن المتأخر على فتور همته لا يزال يقتدي بالمتقدم ويطلب محاكاته.

يتحدث العلامة أحمد تيمور باشا (1288 - 1348) وهو أحد المغرمين بجمع الكتب والعارفين لها قدرها وتشهد على ذلك خزانته العامرة بنوادر المخطوطات الموجودة اليوم بدار الكتب المصرية وقد ختم صديقه العلامة الرزكلي ترجمته بقوله: (ونُقلت مكتبته بعد وفاته إلى دار الكتب المصرية وهي نحو 18 ألف مجلد) (1).

قال تيمور في ترجمة محمد أكمل بن عبد الغني بيك فكري (1280 - 1343) عن والد المترجم (ت 1307) قوله: (ترك خزانة كتب كبيرة قل أن تضارعها خزانة في نفائس الكتب ونوادر الأسفار وهي التي أفنى عمره وماله في جمعها، وأتعب نفسه في تصحيحها وضبطها وصبغ الورق وصقله لنسخ ما كان يستنسخ منها، فوق ما كان يكلفه من السعي في البحث عنها في الخزائن المهجورة وعند الورّاقين، واتخذ له في داره مصنعاً للتجليد واستخدم عدة نُسّاخ أجرى عليهم المرتبات، فاختصوا بالنسخ له لا يشتغلون لسواه، وكان هو وعبد الحميد بيك نافع من أدباء القرن الثالث عشر يتباريان في ذلك ويتسابقان.

أخبرني المترجم - محمد أكمل - عن والده انه بلغه أن تاجراً من الورّاقين قدم من سفر بكتب أوصاه عبد الحميد بيك نافع بجلبها له وبينها (ديوان البحتري) وكان إذ ذاك لم يُطبع بل لا يُعرف في مصر إلا باسمه فأسرع إليه وبذل له مالاً فوق قيمة الديوان على أن يعيره له يوماً وليلة يطالع فيه فرضي وأعاره إياه.

فلما أتى به لداره أعطاه لمجلده ففك له تجليده، وأحضر في الحال عدة نُسّاخ فرقه عليهم كراريس فنسخوه وقابلوه، ولم يمض اليوم والليلة إلا وقد ردت النسخة الأصلية لصاحبها مجلدة كما كانت.

ثم قابله بعد ذلك عبد الحميد بيك وأخذ يفاخره بوجود الديوان عنده واختصاصه به، فقال له: خفف عليك يا أخي، هذا شيء أكلنا عليه وشربنا حتى مججناه ثم أخرج له نسخة الديوان من الخزانة).

وقال عنه تيمور كذلك: (وبلغه مرة وهو يسمر مع بعض أصحابه أن بعضهم رأى عند فلان الورّاق رسالة من الرسائل، وكان هو يتطلبها من زمن وينشدها فلا يجدها، فلم يسعه إلا ان قام في الحال وأخذ يسأل عن دار الورّاق من هنا وهناك، حتى اهتدى إليها بعد ما مضى هزيع من الليل، فأيقظه من نومه وساومه في الرسالة بقيمة فوق قيمتها ولم يمهله للصباح، بل أنزله من الدار وذهب معه إلى حانوته، ففتحه ليلاً وأخرجها له، ولم يهدأ له بال حتى باتت الرسالة عنده).

فما هو مصير هذه المكتبة وما الذي آلت إليه، بعد أن بذل صاحبها فيها كل غالٍ ونفيس؟

يحدثنا تيمور فيقول (فلما مات عرض المترجم - محمد أكمل - كتبه للبيع فبيعت وتفرقت، واقتنى نفائسها ونوادرها الكونت لند برج قنصل السويد بمصر، وكان من مستعربي الإفرنج المولعين بجمع الكتب العربية، وأدركت أنا أواخرها فاقتنيت منها بضعة عشر كتاباً، منها ما هو بخط عبد الغني بيك نفسه، وبحواشيها آثار التصحيح واختلاف النسخ التي كان يقابلها بها) (2).

ويتحدث العلامة تيمور: عن صاحب المتقدم ومنافسه عبد الحميد نافع بقوله: (حُبب إليه اقتناء نفائس الكتب والمغالاة بها، فجمع خزانة عظيمة منها شراء واستنساخاً، وكان يعتمد على الشيخ نصر الهوريني (3) في مقابلتها وتصحيحها، وكانت له مع المغالين بالكتب من فضلاء عصره نوادر وغرائب في التسابق في اقتنائها، وسمع به الوراقون فحملوها إليه من الآفاق، وهو يسخو عليهم، ولا يُماكس في الأثمان، حتى صارت خزانة كتبه يضرب بها المثل.

وكان يجاريه في ذلك عبد الغني فكري بيك ولا يكاد يلحقه مع اشتهاره بالمغالاة بها).

وأما خبر هذه المكتبة المليئة بالنفائس فقد ختم تيمور ترجمته بقوله: (وبعد وفاته، استولى محمد عارف باشا زوج أخته على كتبه فكانت له مادة ثمينة في الكتب التي طبعها بجمعية المعارف، ثم تشتتت وبيعت) (4).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير