ونهجت منهج الاستقراء والترجيح، فحاولت استقراء أهم المعاملات المعاصرة وبينت موقف الشريعة منها، إذ رجعت إلى الكتب التفسيرية والحديثية والفقهية والاقتصادية والبنكية والتأمينية واللغوية، والدوريات الخاصة والعامة، واستقيت منها مادة رسالتي وهي في مجملها تربو على ستمائة مصدر، وجمعت شتات هذه الثروة الفقهية والنصوص الشرعية والتوصيات الجماعية، وحاولت استقراء تحصيل المكاسب فيها، ووسائل مصادر الأموال في مختلف الميادين التجارية والمهنية والاجتماعية والرياضية والبنكية والتأمينية، واقتصرت على المسائل المهمة والمشاكل المالية التي لها قيمتها في الحياة البشرية، وصنفت المادة العلمية حسب مجالاتها ورتبتها حسب أبوابها، ووضعت منهجية في التحليل والترتيب حاولت الالتزام بها منذ بداية البحث إلى نهايته: وذلك بوضع تمهيد لكل باب أو فصل أو مبحث أو مطلب، أبين من خلاله أهمية الموضوع أو أطرح فيه إشكاليته أو أربطه بسابقه حتى تتضح الصورة ويكتمل البنيان.
أعرف بالموضوع لغة واصطلاحا وإن كان التعريف متفقا عليه اكتفيت ببعض التعريفات، وأحلت على الباقي في مصادره، وإن كان مختلفا فيه اخترت أنسبها أو حاولت جمعها في تعريف بصياغتي راعيت فيه معاني المعرف وحدود التعريف، بحيث يشمل الموضوع ويفي بمقصوده، مع الوضوح في اللفظ والبساطة في المعنى، وإن كان الموضوع سبق تعريفه أشرت إلى موضعه.
وعرفت بالمصطلحات الفقهية، وخرجت بها من التعقيد اللفظي والمعنوي إلى الدلالة البسيطة، إما بتصويرها وبيان حقيقتها أو بضرب الأمثلة المناسبة لها.
ثم أنتقل إلى الموضوع فأحدد أنواعه إن كانت متعددة، مبينا حكم كل نوع فيها، وذلك بذكر الآراء الفقهية الواردة فيه، وأدلة كل فريق وتعليله، مراعيا في ذلك الترتيب الزمني في العرض، فأبدأ بالفقهاء المتقدمين: الحنفية فالمالكية فالشافعية فالحنابلة فالظاهرية، ثم أعرض آراء المعاصرين لأنها فرع عن المتقدمين. وفي عرض المحدثين أقدم الفتاوى الفردية على القرارات الجماعية، لأن هذه الأخيرة نتاج للأولى.
وبهذه المنهجية أكون قد جمعت بين الأصل المتمثل في المذاهب الفقهية القديمة، والفرع المتمثل في الفتاوى المعاصرة، وجمعت بين الاجتهادات الفردية والجماعية.
وفي عرض الآراء الفقهية أبدأ بالقائلين بالإباحة غالبا لأنها هي الأصل في التشريع، ثم أذكرآراء القائلين بالكراهة لأنها واسطة بين حكمين، ثم أذكر آراء المانعين لأن التحريم حكم طارئ.
وفي استعراض الأدلة أرتبها حسب قوتها في التشريع، فأصدر الحكم بالنصوص الشرعية من القرآن أولاثم السنة، ثم الإجماع إن وجد، ثم التعليلات والأقيسة العقلية، مبيناوجه الدلالة في الدليل، ووجه الاستنباط في التعليل.
وإن كان في الموضوع خلاف ذكرت أسبابه وعلته، أوحاولت أن ألتمس له التعليل بدليل شرعي أو اعتبار واقعي أو تعليل عقلي، أراه مناسبا للحكم مع الإشارة إليه.
واخترت في الدراسة والتحليل منهج التوسط والاعتدال، وإن كان في الموضوع مسائل عديدة اكتفيت منها بالمفيدة، ووضعت الضوابط التي تحكمها وتحكم نظائرها مما يشبهها من القضايا الجديدة. ولم أستقرئ جميع الفتاوى الشرعية في القضية الواحدة، واكتفيت ببعضها لأن الإحاطة بجميع الأقوال غير ممكن، ولأن الحكم الشرعي في المعاملات إما جائز اتفاقا فيندرج في المباح أو ممنوع اتفاقا فيدخل في الحرام أو مختلف فيه فيختلف حكمه باختلاف الراجح من دليله، وفي جميع الأحوال فذكر البعض يغني عن الجميع.
وسلكت في عرض الأدلة منهج التلخيص والاختصار، واكتفيت بالقوي من التعليل والصحيح من الآثار، وأحلت على غيرهما في مصادرهما. فإن كان للموضوع أدلة كثيرة من النصوص الشرعية أو التعليلات العقلية اكتفيت ببعضها، وإن كان النص القرآني أو الحديثي طويلا اقتصرت على الشاهد فيه الذي يخدم الموضوع ويفيد في الاستدلال. وإن كانت المناقشات طويلة في النص الشرعي أو الفقهي، حاولت تلخيصها والاقتصار على أهمها. وفي الحديث حذفت السند واكتفيت بالراوي الأول والأخير ومصدره، إلا إذا رأيت في ذكره فائدة يتعلق بها الحكم، كأن يكون في بعض الرواة كلام جرحا أو تعديلا. وإن كان في الموضوع إجماع اكتفيت بذكره والإشارة إلى مرجعيته دون تفصيل القول فيه إلا إذا كان للإجماع نقض فأشير إليه.
¥