تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن ذلك كله يجعل المسلم يسعى جادا للحاق بهم واقتفاء آثارهم، ويزيد من صبره وثباته، فكلما واجهته مشكلة ثم قارنها بما لاقاه أولئك احتقرها وسهل عليه تجاوزها، فإن آذاه الناس قال: لقد أوذي من هو خير مني، وإن كذبه الناس قال: لقد كذب من هو أفضل مني، وهكذا: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (1) [سورة الأنعام، الآية: 90]. (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ) (2) [سورة الأنعام، الآية: 34]. (وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ) (3) [سورة الأنعام، الآية: 34].

وقال الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في سورة الأعراف: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (4) [سورة الأعراف، الآية: 176]. وقال في سورة يوسف: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ) (5) [سورة يوسف، الآية: 111].

ومما يزيد من حماس المسلم ويشد من عضده معرفة تاريخ المصلحين، وسيرهم مع مجتمعاتهم، وما لاقوه من عنت ومشقة، وكيف صبروا وثبتوا، إن هذا الأمر له تأثير عجيب في حياة الداعية وطالب العلم، كم يصاب الإنسان بحالة من الكسل أو الملل من طلب العلم فيتذكر أولئك الأعلام، وكيف جدوا واجتهدوا فسرعان ما يعود نشيطا قويا.

سئل الشعبي من أين لك هذا العلم كله؟ فقال: "بنفي الاعتماد، والسير في البلاد، وبكور كبكور الغراب، وصبر كصبر الجماد".


(1) - سورة الأنعام آية: 90.
(2) - سورة الأنعام آية: 34.
(3) - سورة الأنعام آية: 34.
(4) - سورة الأعراف آية: 176.
(5) - سورة يوسف آية: 111.

وقل مثل ذلك في الداعية إذا واجهته مشكلة أو مصيبة، ثم تذكر أسلافه وما لاقوه كالإمام أحمد، والعز بن عبد السلام، وابن تيمية، وغيرهم، فيعلم أنهم أخذوا بقوله تعالى: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ) (1) [سورة آل عمران، الآية: 139].
15 - علو الهمة ونبل المقصد والأخذ بالعزيمة
وذلك بأن يكون هم الإنسان الدار الآخرة، والفوز بالجنة، ومقصده رضا الله جل وعلا، فمن كانت هذه حاله فلن يستقر له قرار حتى ينال مراده، وسيجد في الطلب حتى يحصل على بغيته (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (2) [سورة الحجر، الآية: 99]. ولما قال أحد الصحابة للرسول - صلى الله عليه وسلم - إني أحب مرافقتك في الجنة، قال له المصطفى - صلى الله عليه وسلم - - أعني على نفسك بكثرة السجود - (3).
وإذا علا مقصد الإنسان وشرفت غايته، زهد في الدنيا وشهواتها، ولو كانت بين يديه، فضلا عن أن يسعى لتحصيلها، ويقضي عمره جامعا لحطامها، على حساب دينه وعقيدته. ولذلك لما علت همة عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه- وجعل لقاء الله غايته وأشرف مقاصده، كان أزهد الناس في الدنيا، وهو خليفة المسلمين، لا يملك إلا ثوبا واحدا، ولا يأكل من الطعام إلا الكفاف دون تقتير أو إسراف، والمال بين يديه، والثمرات من كل مكان تجبى إليه.
إن دنو الهمة وتواضع المقصد يؤدي بالإنسان إلى الدعة والاسترخاء، أما علوها، وبعد مرادها ومرامها، فدونه الجد والاجتهاد والسهر والعنا:
تعبت في مرادها الأجسام
وإذا كانت النفوس كبارا
وصدق من قال:
نوما وتبغي بعد ذاك لحاقي?!
أأبيت سهران الدجى وتبيته

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير