تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والعَذَبة ثابتة عن السلف في آثار وأحاديث كثيرة؛ فقد حدّث عمرو بن حُرَيث، قال: رأيت النبيّ ³ على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه. رواه الستة إلا البخاري. وأخرج الطبراني من حديث عبدالله بن ياسر، قال: بعث رسول الله ³ عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه إلى خيبر فعمَّمه بعمامة سوداء ثم أرسلها من ورائه أو قال على كتفه الأيسر. وكان ابن عمر رضي الله عنهما يسدل عمامته بين كتفيه. وقد أرخاها بن الزبير من خلفه ذراعًا. وورد أنها ترخى

شبرًا أو إلى منتصف الظهر أو إلى منطقة الجلوس، وغير ذلك. كما ورد أنها ترخى على الكتف الأيمن وعلى الكتف الأيسر وبين اليدين، والراجح أنَّها تُسدل خلف الظهر بين الكتفين، وكل ذلك ورد به الأثر.

فوائد العمامة. للعمامة فوائد كثيرة؛ فقد سئل أبو الأسود الدؤلي عن العمامة فقال: "هي جُنَّة (وقاية) في الحرب، ومكَنَّة (حافظة) من الحرّ ومِدْفأة من القُرّ (البرد) ووقار في النَّديِّ (المجلس) وواقية من الأحداث، وزيادة في القامة، وعادة من عادات العرب". وقيل لأعرابي إنك تكثر من لبس العمامة فقال: "إن شيئًا فيه السمع والبصر لجدير أن يُوَقَّى من الحرّ والقُرّ". فالعمامة تُضفي على معتمرها جمالاً، قال علي رضي الله عنه: "جمال الرجل في عِمَّته وجمال المرأة في خُفِّها." فالعمامة تزيد في طول القامة مثلما يزيد الخُفّ العالي في قامة المرأة. وهي ستر للرأس من الحوادث كالحَذْف والصَّفع والضرب، وهي تستر ما يشين الرأس من شيب وصلع، قال الشاعر:

إذا ما القلاسي والعمائم أُجْلِهَت ففيهن عن صُلع الرِّجال حُسُور

وهي أيضًا تقي الرأس من الغبار، وذؤابتها تحمي الأنف والعينين والأذنين من الغبار والروائح الكريهة. وهذه الذؤابة إذا تَلَثَّم بها المُعْتَمُّ ساعدته على التَّنكُّر كما كان يفعل أصحاب الثأر قديمًا. وقد يَعصبُها الجائع على بطنه، أو يَلُف بها الجريح جرحه. وقد تُقَيِّد بها أسيرًا أو تخنق بها عدوًا أو تحمل عليها شيئًا أو تفترشها أو تتغطَّى بها أو تصلِّي عليها في السفر، وقد تكون كفنًا لصاحبها إذا لم يوجد غيرها، وما إلى ذلك من الفوائد.

المسح على العِمامة في الوضوء. يجوز المسح على العمامة في الوضوء، وينبغي أن يتم المسح عليها بعد كمال الطهارة كما يفعل من يريد المسح على الخُفَّين، لحديث عمرو بن أمية الضَّمري، قال: "رأيت رسول الله ³ يمسح على عمامته وخُفيه". رواه أحمد والبخاري وابن ماجة. وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: "توضأ النبي ³ ومسح على الخفين والعمامة" رواه الترمذي وصحَّحه. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله ³ يتوضأ وعليه عمامة قَطَريّة فأدخل يديه من تحت العمامة ولم ينقض العمامة" أخرجه أبوداود. وقد ثبت عنه ³ أنه مسح على الرأس فقط وعلى العمامة فقط وعلى الرأس والعمامة معًا.

نبذة تاريخية

العمائم في الجاهلية. كانت العمامة عند الجاهليين بمثابة التّاج عند غيرهم من الأمم. وكانوا يرفعون من قدرها ويعلون شأنها لأنها رمز السؤدد والعزّ. سئل الأحنف بن قيس عن علامات العز والسؤدد في العرب، فقال: "إذا تقلَّدُوا السُّيوف، وشَدُّوا العمائم، واستجادُوا النّعال، ولم تأخذهم حَمِيَّة الجاهلية".

وقد كانت عمائم الجاهليين تختلف باختلاف أذواقهم وأحوالهم؛ فكان أصحاب الثأر يَعْتَمون بالعمائم السَّوداء، وفي الحرب كانوا يشدون العمائم السود والحُمر، وفي زمن الأمن يجعلونها بيضاء أو خضراء، وإذا كانوا في رخاء وخصب أرخَوها. وكانت محلّ اهتمام السادة والأشراف وكانوا يبالغون في اختيار أصنافها وألوانها أما الفقراء فربما حال فقرهم دون اقتناء الفاخر منها.

واشتهرت في الجاهلية عمائم أصبحت مضرب المثل في الهيبة وجمال الهيئة كعمامة أبي أُحَيْحَة، سعيد بن العاص بن أمية المعروف بذي العمامة الذي ذهبت عمامته مثلاً لجمالها ومهابته فيها فقيل: "أجمل من ذي العمامة" وقد عُرف بذلك لأنه كان إذا لبس العمامة حَرُمَتْ على كل قُرشي غيره، اعترافًا بعلّو قدره. كما اشتهرت أيضًا عمامة المُزدَلِف، عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان، وهو من سادات العرب وفرسانهم المعدودين، وقد عُرفت عمامته بالمُفْرَدَة. ومن أشهر المعتمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام الزِّبرقان بن بدر التَّميمي السعدي،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير