تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكان سيدًا في الجاهلية جليل القدر في الإسلام، وإنما قيل له الزبرقان لأنه لبس عمامةً مزبرقة (مُصَفَّرَة) بالزعفران. ومن المُعْتَمِّين أيضًا الملك حُجر بن الحارث آكل المِرار الكندي، وابنه، حامل لواء الشعر الجاهلي، امرؤ القيس. وقد عرف قوم من العرب بفرط عنايتهم بالعمامة حتى أصبح من شواهد النحويين قولهم: "إنّما العَامِريُّ عِمَّتَهُ" يعنون أنه كثير التَّعَهُّدِ لها، شديد الاهتمام بها. وجاء ذكر العمامة والفخر بها في أشعارهم بما لا يكاد يطوله الحصر، من ذلك قول عنترة:

وما الفخر إلا أن تكون عمامتي مكوّرة الأطراف بالصّارم الهندي

العمائم في الإسلام. ثبت في صحيح الآثار أن الرسول ³ كان يعتمُّ العمامة وأنه قد عمَّّم بعض أصحابه كعليّ بن أبي طالب وعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنهما، وقد أهدى العمامة لجماعة من صحابته، وكان لا يولِّي واليًا حتَّى يعمِّمه ويرخي له عَذَبةً من الجانب الأيمن نحو الأذن.

روى جابر رضي الله عنه أنّ رسول الله ³ دخل مكة عام الفتح وعليه عمامة سوداء. رواه الستة إلا البخاري. وعن عمرو بن حريث رضي الله عنه قال: رأيت النبي ³ على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه. رواه الستة عدا البخاري. وعن نافع رضي الله عنه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي ³ إذا اعتَمَّ سَدَل عمامته بين كتفيه. قال نافع وكان ابن عمر يسدل عمامته بين كتفيه. وقد عمّم عليه الصلاة والسلام عبدالرحمن بن عوف بعمامة سوداء وأرخاها من خلفه قدر أربع أصابع، وقال: "هكذا فاعتَّم فإنه أَعْرَبُ وأجمل". وكان من هَدْيِهِ ³ أن يسمي غالب الأشياء؛ فكانت له عمامة يسميها السَّحَاب، وقد وهبها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، قالوا فربما طلع عليهم علي وعليه هذه العمامة فيقول الرسول ³: "أتاكم علي في السَّحاب" ذكره ابن الأثير في أسْد الغابة.

وسار الخلفاء الراشدون بسيرته، فكان أبوبكر رضي الله عنه يَعتَمُّ وكان ممن يمسح على العمامة في الوضوء. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعتمُّ ويجيز المسح على العمامة ويقول: "من لم يطهّره المسح على العمامة فلا طَهَّرهُ الله" وهو القائل: "العمائم تيجان العرب". وكان من صفة عثمان رضي الله عنه أنه أجمل الناس إذا اعتم. أما علي رضي الله عنه فقد مضى ذكر تعميم الرسول ³ له، وعليّ هو القائل: "جمال الرجل في عمته".

وفي العصر الأموي استمر الناس على لبسها؛ فقد رُوي أن أهل المدينة لما ثاروا على يزيد بن معاوية اجتمعوا في المسجد النبوي فقال عبدالله بن عمر المخزومي: قد خلعت يزيد كما خلعت عمامتي هذه ونزعها من رأسه، ففعل الناس مثل ذلك حتى كثرت العمائم.

وقال الشاعر الأموي:

رأيت بني مروان جَلَّت سيوفهم عشا كان في الأبصار تحت العمائم

ورُوي أن هشام بن عبدالملك حين نصحه خالد بن صفوان بكى حتى بلّ عمامته. ومن المشهورين بها في هذا العصر الحجاج بن يوسف الثقفي وخطبته في مسجد الكوفة مشهورة وقد افتتحها متمثلاً بقول الشاعر:

أنا ابنُ جَلاَ وطلاَّعُ الثَّنايا متى أضع العِمامةَ تعرفُوني

أما في العصر العباسي فقد ظل الناس يُكْبِرونها ويهتمون بها. وكان بنو العباس أكثر تمسكًَا بها حتى بلغ الأمر ببعض علمائهم أنهم لا يجيزون خلعها إلا للمناسك. وروى أبو جعفر المنصور منامًا في صغره رأى فيه الرسول ³ ومعه أبو بكر وعمر وبلال ... قال: فعقد لي لواءً وأوصاني بأمته وعمَّمني بعمامة كوّرها ثلاثة وعشرين (كورًا).

وكان الأئمة الأربعة، أبوحنيفة ومالك وابن حنبل والشافعي، يَعْتَمُّون. قال بعضهم في صفة الإمام أحمد: رأيته مُعْتَمًا وعليه إزار. وكان من صفة أبي حنيفة أنه كان يتأنق في ثوبه وعمامته ونعليه. وسُئل بعضهم عن لبس الشافعي فقال: يلبس كثيرًا العمامة وكان يعتمُّ بعمامة كبيرة كأنه أعرابي. أما الإمام مالك فقيل: كان إذا اعتمَّ جعل منها تحت ذقنه وأسدل طرفها بين كتفيه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير