تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

على هذا النحو الذي رسمه كرومر ودنلوب وزويمر، والذي وكل المستشرقون أتباعهم من أصحاب الأسماء العربية أن يكملوا المهمة، إيمانًا بأنهم أقدر على كسب ثقة أهليهم، ولقد تكشفت هذه السموم وارتدت هذه الأسهم إلى صدور أصحابها ولم يعد في الإمكان إعادة الثقة إلى كل من خان هذه الأمة أو خدعها أو دعاها إلى التنكر لدينها أو عقيدتها أو لغتها أو قرآنها. هذا هو المنطلق الأول لفهم الوجهة في قراءة ذلك الركام الهائل المطروح أمام المثقف المسلم (أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).

في مواجهة ركام الفكر المطروح على الساحة اليوم: نظريات مضللة نكشف زيفها:

يجب أن يكون موقفنا نحن المسلمين واضحًا من كل ما يقدم على الساحة حتى نستصفي مفهومنا الصحيح للثقافة والعلوم والمجتمع وقضايا السياسة والاقتصاد والتربية وغيرها فقد حدث خلط كثير خلال هذه السنوات التي مرت وخاصة سنوات الاحتلال الأجنبي وما ترك من رواسب لا تزال قائمة في مجالات الفكر والثقافة والتعليم والصحافة في محاولة لصبغ فكرنا بلون غربي أو مغرب.

كان النفوذ الأجنبي ظاهرًا في عصر الاحتلال وكانت المرحلة واضحة التبعية للاتجاه الغربي الليبرالي والرأسمالي، وكانت كل المؤسسات خاضعة لتلك الوجهة، وكانت هناك وطنية تعمل على التحرر من النفوذ الأجنبي، ولكن كان هناك من يخدمون هذا النفوذ. ومن هنا فإن تاريخ الحركة الوطنية أيام الاحتلال يجب أن يدرس بعناية وأن ينظر فيه إلى ما مقام به كرومر من بناء نماذج كانت تؤمن بالالتقاء مع النفوذ الأجنبي في منتصف الطريق وتقبل منه القليل، وقد اعتمد الاستعمار على التعليم في تكوين هذه القيادات وكانت التجربة السياسية القائمة على النظام الغربي زائفة، وكانت التبعية للنظام الغربي وسيطرته الاقتصادية حتى بعد انتهاء الاحتلال العسكري واضحة وقائمة.

ثم جاءت بعد ذلك مرحلة التجربة الماركسية وكانت تمثل تبعية من نوع آخر، عانى خلال مرحلته المفهوم الإسلامي الأصيل أشد المعاناة، فقد حجب وراء تصور قاصر، يجعل الإسلام دينًا لاهوتيا قاصرًا على العبادة والمساجد بعيدًا عن مفهوم الإسلام الحقيق: مفهوم المنهج الرباني القائم على خضوع الحياة الاجتماعية والسياسية له بوصفه نظام مجتمع ومنهج حياة، وكان لهذا المفهوم أثره الواضح في مجالات الثقافة والتعليم والصحافة وخضعت المناهج التعليمية والجامعية إلى النظم الليبرالية والماركسية، وقامت الحياة الثقافية على هذا المنهج أو ذاك دون أن يتاح للمنهج الإسلامي الذي هو الأصل أن يستعان أو يدافع عن مفهومه ووجوده إلا من خلال صحف متواضعة وكتب قليلة، وكتابات تقوم على الدفاع والرد على الشبهات المثارة ولا تملك أن تقدم منهجها الأصيل بصورة حقيقية.

وهكذا كان الفكر الحديث الذي يقدم من خلال مناهج العلوم الاجتماعية والنفس والفلسفة والاقتصاد والأدب والتاريخ مشوبًا بالتصور الغربي، لا يضع للدور الإسلامي في تاريخ العلوم أو الفكر كبير اهتمام، بل إن العلوم التي كان للإسلام دوره الرائد في صياغتها تدرس الآن دون إشارة إليه وتبدأ من حيث أخذها الغرب وتجاهل دور المسلمين فيها، فإذا اتصلت هذه العلوم والمناهج بتاريخ المسلمين أنفسهم أو بتراثهم قدمت على نحو متعسف مضلل، فهي تتناول تاريخ الإسلام بأسلوب علماني وتحكم عليه من خلال منهج التفسير المادي للتاريخ وتقلل من عظمته وتفرغه من شحنته الروحية وتجعله باردًا كالثلج، وتلك محاولة مقصودة من أجل إطفاء نوره وإذهاب طابعه القادر على بناء النفس المسلمة من جديد.

إن هناك أسماء كثيرة لمعت بفضل النفوذ الأجنبي ووضعت في موضع القيادة الفكرية يجب أن يعاد النظر فيها على ضوء الحقائق التاريخية التي ظهرت ووفق مفهوم الأوضاع التي كانت تحجب الأضاليل فسعد زغلول ولطفي السيد وعبد العزيز فهمي وجرجي زيدان وطه حسين وسلامه موسى وتوفيق الحكيم، كل هؤلاء يجب أن يعاد النظر إليهم في ضوء الحقائق التي عرفت، وخاصة ما يتصل بها الماسونية وبروتوكولات صهيون، وأن هناك أسماء أخرى ظلت تحت تأثير الموجة الطارئة يجب أن يعاد النظر إليها أمثال المتنبي والغزالي وعمر الخيام والسلطان عبد الحميد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير