وكان سلطانا عادلا عاملا، له مآثر حسنة، ومناقب مشهورة، ويُعدُّ من أوائل الذين أسَّسوا دولة المماليك بشبه القارة الهندية.
وكان شمس الدين هذا: مواليا للخلافة الإسلامية في عصره، وقد بعث له الخليفة "المستنصر بالله" العباسي بتقليده ملكًا للبلادوحاكمًا عليها سنة (626هـ = 1229م).
وقد اشتهر بإنصاف الضعفاء والمظلومين، ونشر العدل في ربوع مملكته قاطبة،ويُحْكى عنه في الصدد حكايات ونوادر!
منها: أنه كان قد أصدر مرسومًا:بأن يلبس كل مظلوم في مملكته ثيابًا مُلَوَّنة [وكان أهل مملكته الهندية جميعًا يرتدونالثياب البيضاء]، وكان يخرج بنفسه ليتفقد أحوال رعيته, فإذا رأى أحدًا يرتدي ثوبًاملونًا, نظر في قضيته فورًا! وأنصفه ممن ظَلَمه, وكذلك كان يفعل إذا عقد مجلسه للحكم.
ومنها: أن ابن بطوطة قد حكى في «رحلته» أن السلطان لَلْمِش بلغ من عدله أنه قال ذات مرة: إن بعض الناس تجري عليهم المظالم بالليل، وأريد تعجيل إنصافهم؛ فجعل على باب قصره: أسدين مُصَوَّرين من الرخام،موضوعيْن على بُرْجَيْن هنالك [كأنه لم يبلغه النهي عن التصوير والتماثيل!]، وفي أعناقهما: سلسلتان من الحديد فيهما جرس كبير، فكان المظلوم يأتي ليلاً فيُحرِّك الجرس،؛ فيسمعه السلطان وينظر في أمره للحين، ويقوم بإنصافه من فوره.
ولا ريب: أن الله شاكرُه على هذا العدل بين الناس إنْ ثبت عنه حقًا!
وكان لهذا السلطان العادل: أربعة من الأولاد فقط! ثلاثة من الذكور، وهم: ركن الدين، ومعز الدين، وناصر الدين.
وأما ابنتُه الوحيدة: فكانت هي: رضية الدين. تلك الأميرة الجميلة التي أشقاها جمالها! وأضرَّ بها حُسْنُها!
نشأتها وبعض صفاتها:
نشأتِ الأميرة رضية الدين مُدَلَّلةً في حِجْر أبيها،ترفُلُ في حُلَلِ البهاء المقيم، وتَتَقلَّب في غمرات لذَّات النعيم! وكان أبوها يحبها – دون إخوتها – حبا شديدا، لما كان يتوسَّمُه فيها من الصلاح والذكاء والدهاء والعقل والحكمة، وعهد إلى الفقهاء والمعلمين بتعليمها وتهذيب شمائلها، كما عهد إلى غيرهم: بتدريبها على فنون الحرب والقتال! وحمْلِ السلاح ومبارزة الرجال! بحيث لم تكن تقل شأنًا في العلم والسياسة و قواعد الحكم: عن سائر إخوتها! بل تفوقت عليهم جميعا في هذا الأمر كله!
وبلغ مِنْ تعلُّق أبيها بها: أنه كان يُسْند إليها بعض المهام السياسية، حتى حُكِي عنه: أنه قد فكّر في أن يجعلها "وليّة للعهد" من بعده دون إخونهاالذكور الذين لم ير فيهم أباهم أهْلِيَةً للقيام بمهامِّ المملكة من بعده!
وكانت رضيةً الدين: تجعل من أبيها قدوتها المُثْلَى، وتتخذ منه: مَثَلَها الأعْلى، فكانت مغرمة بحبه كما كانت هي إليه مُحَبَّبة، ولا غرو في هذا: «إذْ كلُّ فتاةٍ بأبيها مُعْجَبة!».
وكان الله قد وهبها: جمال منظرٍ: يسرُّ الناظرين، وبهاء مَطْلَعٍ: تطيرُ له قلوبُ الراغبين! قد أخذتْ بزِمام الحُسْنِ والجمال، وتَبَوَّأَتْ عرش الأنَفَةِ والدَّلال! حتى رغب في وصْلِها الأمراءُ والأقَيْال، وحُمِلَتْ إليها عجائبُ الهدايا ونفائس الأموال! وهي راغبة عن الخُطَّاب! شامخة بأنْفِ كِبْريائها إلى السحاب! لا تدري أحدا لها كُفْؤًا، ولا تعلم لمثيلها نِدَّاً!
وكيف لا: وهي لا ترى امرأة تجري معها في ميدان الجمال! ولا تعرف فتاةً من بنات جنْسها قد سَجَدَتْ لها – دونها - قلوبُ مغاوير الرجال!
ومع تفَرُّدِها بتلك المحاسن والشمائل: فقد كانت أعجوبة في حصافة الرأي والذكاء، وفريدةً في معرفة صنوف المكر والدهاء!
بل كانت إذا كَشَرَتْ الحربُ الضَّرُوس عن أنيابها: كانت هي التي تَدْرأُ بِرُمْحِها في مَقَاتِل الشجعان! وتَكِرُّ وتَفِرُّ في أتُون لهيب المعارك بالضَّرب والطِّعان! فكانتْ في الإقدام و الشجاعة: كلمةَ إجماع! وفي الجُرْأة والبَسَالة: حديثَ الرُّكْبَان في سائر البقاع!
تَوَلِّيْها عرشَ البلاد، وسَلْطَنة العباد:
¥