تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ينتشر الإسلام تدريجيا في أنحاء البلاد خلال الفترات التاريخية التالية، من أسرة سونغ (960 - 1279م)، وأسرة يوان (1206 - 1368م) حتى أوائل أسرة مينغ (1368 - 1644م). وهو تاريخ طويل تعرض المسلمون خلاله لتقلبات السياسة وتغيرات المجتمع وتبدلات الاقتصاد. ويتحول المسلمون إلى أقليات متفرقة نتيجة لهذه الصراعات، تشكل مجموعتين، إحداهما تتكون من ست قوميات تتناثر في منطقة شينج يانغ ذات الحكم الذاتي في شمال غرب الصين، والأخرى تتكون من أربع قوميات تعيش في مختلف الأماكن داخل الصين.

الإسلام .. وقوميات عشر

رجع تاريخ قومية الأويغور إلى القرن الثالث قبل الميلاد، وكلمة أويغور تعني «التضامن» أو «الاتحاد» باللغة الأويغورية، وهم يتوزعون في منطقة شينج يانغ الأويغورية الذاتية الحكم رئيسيا وعددهم نحو ثمانية ملايين نسمة.

في اليوم الأول من الوصول إلى قشغر تأخذنا أقدامنا إلى ساحة مسجد «عيد كاه» حيث نعيشُ ساعاتٍ نراقبُ الحياة اليومية التي يمضي بها المتنزهون الأويغوريون أوقاتهم. إنهم يأتون للوقوف أمام عدسات عشرات المصورين المنتشرين في الساحة، يحمل كل منهم كاميرا رقمية، ويحتفظ بديكور التصوير اللازم وفق الطلب، فمنهم من يصوِّر زبائنه فوق الجمل أو الحصان، ومنهم من يجذب أفراد الأسرة بنزهة مصورة في الساحة فوق عربة يجرها الخيل وتجاوره فيها سيدة متبرجة بالزي التقليدي، وآخرون يجتذبون الأطفال بعربة تجرها عنزة برية! الجميع متأنق، ليس فقط هنا استعدادًا للتصوير، بل في كل مكان.

نصلُ موسم الفاكهة، درجة الحرارة تتجاوز صباحًا في قلب المدينة الثلاثين مئوية، وهي تنضج الثمار التي تشتهيها بقاع الصين جميعًا. طماطم بحجم التمر، شمامٌ بطعم السكر، برتقال بلون الشمس، وعنب وخوخ وبرقوق وموز، ومشمش بلا حدود، إن قشغر سلة فاكهة تحرِّكُ الحواس جميعها.

يحكي لنا دليلنا إنه في أواسط القرن العاشر، مع اعتناق شاتوك بوراخان ملك مملكة قراخان المحلية الإسلام بدأ دخول الدين الجديد إلى شينج يانغ، وكانت قشغر (قه شغه ر، كما تُكتب هنا) أولى محطاته هناك، لينتشر بعدها في يارتشيانغ وكوتشار، ثم شمال شينج يانغ بعد القرن الرابع عشر، وحتى القرن السادس عشر الذي شهد دخول الإسلام في شينج يانغ كلها. أحدها مسجد عيد كاه، الذي شيده حاكم قشغر، شيخ اسميرزا، للمرة الأولى في 1442م، حيث كان يصلي على أرواح الراحلين من عائلته.

تجديد المسجد، وتطويره، على مدى أكثر من خمسة قرون، جعله يمتد اليوم 140 مترًا طولا، من الجنوب إلى الشمال، و120 مترًا من الشرق إلى الغرب، ليغطي مساحة 16800 متر مربع، وأقسامه النموذجية تتكون من قاعة للصلاة، وبرج للبوابة، مع عدة أبنية ملحقة به، لعل أطرفها برجان قصيران حولهما باحتان كبيرتان، يستخدمهما المؤذنون للدعوة إلى الصلاة، مثلما يستخدمهما الوعاظ للدروس الدينية، وعلى جانبي البوابة الضخمة، عمودان يمثلان منارتين متصلتين بزاويتي الجدار، طول الواحد منهما 18 مترًا.

أصابنا حزن شديد لرؤية الغدران الداخلية في المسجد قد جفت. أصبح المسجد مزارًا مجانيا لأهل البلاد، ولغير أهل المدينة يدخلونه بعشرين يوانًا للفرد، وهي أقل الرسوم بين المزارات الأخرى التي مررنا بها ويصل بعضها إلى 60 يوانًا (ما يعادل 7 يورو). هناك بعض الأواني الفخارية التي تستخدم للشرب، والصنابير التي تصلح للوضوء. في الأعياد، وفي أيام المهرجانات الشعبية، تمتلئ ساحات المسجد الداخلية، والخارجية، وهي أضخم بنحو خمس مرات، بنحو 50 ألفا يأتون وعلى وجه كل منهم ملامح قوميته التي تنصهر في بوتقة الإسلام.

قبل عدة أعوام تقدم المصمم دان زياو، من معهد منطقة شونجنج للعمارة والهندسة لجائزة الملك فيصل في العمارة، لمصلحة مدينة قشغر، التي فازت باعتبارها مدينة إسلامية نموذجية تهدف إلى جمع السكان فيها بدلا من انتشارهم خارجها، فقد عُرف في المدينة الإسلامية بناء مساكنها حول المسجد وميادين الأسواق بعكس المدينة في الأديان الأخرى مثل البوذية، ورأى أن ذلك قد ساعد على انتشار الإسلام في الصين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير