ـ[الضبيطي]ــــــــ[29 - 07 - 09, 11:22 ص]ـ
" تسلية أهل المصائب بذكر فضل الزهد في الدنيا والتسلية عنها والرغبة في الآخرة "
قال الله تعالى: " قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا "
فالاستمتاع بالدنيا قليل، ومتعتك بها قليل من قليل، وثواب الآخرة خير وأفضل لمن اتقى المعاصي، وأقبل على الطاعات.
فإن الدنيا دار قلعة وزوال، ومنزل نقلة وارتحال، ومحل نائبة وامتحان، ومتاع غرور وافتتان. فلا ييأس على ما فات منها، ولا يُفرح على ما وجد منها، ولا يجزع على ولد أو نفس تموت، ولا يحزن على أمر يفوت.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: " كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل " وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك. رواه البخاري.
قال جماعة من العلماء في تفسير هذا الحديث: لا تركن إلى الدنيا، ولا تتخذها وطنا، ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها، ولا بالاعتناء بها، ولا تغتز بها، فإنها غَرَّارة خداعة. ولا تتعلق منها بما لا يتعلق به الغريب في غير وطنه، ولا تشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذهاب إلى أهله، وبالله فاستعن.
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقرأ: " ألهاكم التكاثر ". قال: " يقول ابن آدم: مالي. مالي. وهل لك يابن آدم من مالك، إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت ".
وفي صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وجلسنا حوله، فقال: " إنّ مما أخاف عليكم بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها ".
وفي صحيح مسلم عنه أيضا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الدنيا حُلوة خَضِرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء ".
وفي مسلم أيضا، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يابن آدم، هل رأيت خيرا قط؟! هل مر بك نعيم قط؟! فيقول: لا، والله يا رب. ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ في الجنة صبغة، فيقال له: يابن آدم، هل رأيت بؤسا قط؟! هل مر بك شدة قط؟! فيقول: لا، والله ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط ".
وإنه لمن العجب أن ترى العبد يصدق بدار الخلود، وهو يسعى لدار الغرور!
فمن أحبه الله حماه الدنيا، كما يحمى أحدكم مريضه الماء.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: من زهد في الدنيا هانت عليه المصائب، ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات.
وقال الحسن البصري رحمه الله: والذي نفسي بيده، لقد أدركت أقواما، كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي تمشون عليه.
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: علامة السعادة: اليقين في القلب، والورع في الدين، والزهد في الدنيا، والحياء، والعلم.
وأخيرا من بذل وسعه في التفكر التام علم أن هذه الدار رحلة، وأن مبدأ السفر، من ظهور الآباء، إلى بطون الأمهات، ثم إلى الدنيا، ثم إلى القبر، ثم إلى الحشر، ثم إلى دار الإقامة الأبدية. دار المؤمنين، دار السلام من جميع الآفات، وهي دار الخلود. فالعدو سبانا إلى دار الدنيا، فنجتهد في فكاك أسرنا، ثم في حث السير إلى الوصول إلى دارنا الأولى. وفي مثل هذا يقول ابن القيم رحمه الله في نونيته:
فحيَّ على جناتِ عدنٍ فإنها ... منازلُك الأولى وفيها المخيمُ
لكننا سبي العدو فهل ترى ... نعود إلى أوطاننا ونسلمُّ
والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.