[سكر الشهوات .... الداء العضال]
ـ[أبو عبد الرحمان القسنطيني الجزائري]ــــــــ[07 - 08 - 09, 02:25 م]ـ
ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية إذ يقول: «فهكذا أهل الشهوات الفاسدة، وإن أضرمت قلوبهم نارة الشهوة ليس رحمتهم والرأفة بهم تمكينهم من ذلك، أو ترك عذابهم، فإن ذلك يزيد بلاءهم وعذابهم، والحرارة التي في قلوبهم مثل حرارة المحموم، متى مُكِّن المحموم مما يضره ازداد مرضه، أو انتقل إلى مرض شرٍّ منه.
فهذه حال أهل الشهوات، بل تُدفع تلك الشهوة الحلوة بضدها، والمنع من موجباتها، ومقابلتها بالضدّ من العذاب المؤلم الذي يخرج المحبة من القلب ... » (5).
وقال أيضاً: «ولا ريب أن محبة الفواحش مرض في القلب، فإن الشهوة توجب السكر، كما قال تعالى عن قوم لوط: {لَعَمْرُكَ إنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72]. وقد نهانا الله ـ عز وجل ـ أن تأخذنا بالزناة رأفة، بل نقيم عليهم الحدّ، فكيف بما هو دون ذلك من: هجر، وأدب باطن، ونهي، وتوبيخ وغير ذلك؟ بل ينبغي شنآن الفاسقين وقليهم على ما يتمتع به الإنسان من أنواع الزنى» (6).
وقد أشار ابن القيم إلى ذلك السكر فقال: «ومن أسباب السكر: حبّ الصور؛ فإذا استحكم الحبّ وقوي أسكر المحبّ، وأشعارهم بذلك مشهورة كثيرة، ولا سيما إذا اتصل الجماع بذلك الحبّ، فإن صاحبَه ينقص تمييزه أو يعدم في تلك الحالة بحيث لا يميّز، فإن انضاف إلى ذلك السكر سُكر الشراب بحيث يجتمع عليه سُكر الهوى، وسُكر الخمر، وسكر لذّة الجماع، فذلك غاية السكر ... » (1).
يقول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في هذا الصدد: «فإن أصر على النظر [المحرم] أو على المباشرة صار كبيرة، وقد يكون الإصرار على ذلك أعظم من قليل الفواحش، فإن دوام النظر بالشهوة وما يتصل به من العشق والمعاشرة والمباشرة قد يكون أعظم بكثير من فساد زنى لا إصرار عليه.
بل قد ينتهي النظر والمباشرة بالرجل إلى الشرك، كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: 165]، ولهذا لا يكون عشق الصور إلا من ضعف محبة الله وضعف الإيمان بالله» (2).
وقرر ابن القيم ذلك قائلاً: «إن التوحيد واتباع الهوى متضادّان، فإن الهوى صنم، ولكل عبد صنم في قلبه بحسب هواه، وإنما بعث الله رسله بكسر الأصنام وعبادته وحده لا شريك له، وليس مراد الله ـ سبحانه ـ كسر الأصنام المجسّدة وترك الأصنام التي في القلب، بل المراد كسرها من القلب أولاً. وتأمّل قول الخليل - صلى الله عليه وسلم - لقومه: {إذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52]، كيف تجده مطابقاً للتماثيل التي يهواها القلب ويعكف عليها ويعبدها من دون الله؟» (3).
وقال البخاري ـ رحمه الله ـ في نهاية هذا الباب: « ... وما يحذر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة؛ لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135]» (4).
ثم قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «مراده [أي: البخاري] أن الإصرار على المعاصي وشعب النفاق من غير توبة، يُخشى منها أن يعاقب صاحبها بسلب الإيمان بالكلية، وبالوصول إلى النفاق الخالص وإلى سوء الخاتمة نعوذ بالله من ذلك، كما يقال: إن المعاصي بريد الكفر» (5).
وساق ابن رجب ـ رحمه الله ـ آثاراً كثيرة عن السلف في حبوط بعض الأعمال بالكبائر، ومن ذلك ما قاله الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله «ما يؤمن أحدكم أن ينظر النظرة فيحبط عمله» (6).
< إن الاشتغال بمعالي الأمور، والابتعاد عن سفسافها، والطموح بعزم وجدّ إلى المقامات السنية من العلم النافع، والعمل الصالح، والدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله ... إن ذلك لهو أعظم سبيل في مجانبة الأهواء والشهوات، فالإنسان «لم يخلق للهوى، وإنما هُيِّأ لأمر عظيم لا يناله إلا بمعصيته للهوى كما قيل:
قد هيأوك لأمر لو فطنِت له
فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
وكما قال بعض السلف: القلوب جوّالة، فمنها ما يجول حول العرش، ومنها ما يجول حول الحش» (7)
(1) في ظلال القرآن، (1/ 511)، باختصار.
(2) في ظلال القرآن، (2/ 632)، باختصار.
(3) روضة المحبين، ص (47).
(1) أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الحدود، حديث (12).
(2) الصواعق المرسلة (2/ 437).
(3) أخرجه أبو داود، كتاب السنة، حديث (4690)، والترمذي، كتاب الإيمان، حديث (2625).
(4) حصاد الغرور لمحمد الغزالي، ص (104).
(5) جامع الرسائل (قاعدة في المحبة)، (2/ 293، 393).
(6) مجموع الفتاوى (15/ 288، 289)، باختصار.
(7) الجواب الكافي (220).
(1) روضة المحبين (152)، وانظر: قاعدة في المحبة لابن تيمية (جامع الرسائل)، (2/ 244، 245).
(2) مجموع الفتاوى (15/ 292، 293)، باختصار.
(3) روضة المحبين، (483).
(4) انظر: فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن رجب (1/ 177).
(5) فتح الباري (1/ 181).
(6) فتح الباري (1/ 184).
(7) روضة المحبين (372).
هدا مقال د. عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف تصرفت فيه حيث اقتصرت على نقل الشواهد و أقوال العلماء في الموضوع
جزى الله خيرا صاحب الموضوع
¥