تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هكذا وفي قلب تومبوكتو، في مركز احمد بابا للتوثيق والأبحاث الذي أنشأته الحكومة بمبادرة من الاونيسكو عام 1970، يدور فصل رئيسي من فصول استعادة التاريخ الإفريقي. من خلال اختياره لاسم احمد بابا، العلامة المولود عام 1556 ومدرس الفتاوى، تكرّم السلطات مقاوما للاجتياح المغربي [9] وعالما ذا نفوذ كبير على مواطنيه لا تزال تعاليمه القويمة منغرسة في النفوس.

مهمة المركز تصنيف المخطوطات التي يتم العثور عليها وحمايتها وترميمها، فالورق مادة هشة يخشى عليه من الرطوبة والنار، فهو ينكسر ويجف ويتمزق لينتهي رمادا. العث يعشقه. يوضح الشيخ عمر سيسوكو، وزير الثقافة: "إذا كنا غير قادرين على استرجاع كامل هذه المخطوطات فإننا نشجع على قيام مؤسسات خاصة تسمح باستعادة سريعة للمحفوظات العائلية وهذا أفضل سبيل لتحميل المواطنين المسؤولية وحماية هذا الكنز في الوقت نفسه".

ذلك أن القسم الأكبر من هذه المخطوطات السرية ملك لأفراد، ويكفي للتعرف على محتواها التقرب من العائلات التي ترحب بك أجمل ترحيب. كالسيد إسماعيل دياده حيدارا الجالس أمام الحاسوب يكتب مؤلفات في الفلسفة والتاريخ منها "اليهود في تومبوكتو" [10]. فاليهود لعبوا دورا مهما في نقل ذهب السودان إلى اسبانيا المسيحية. ومن خلالهم تعرف احد آباء علم الخرائط (ابراهام كريسك، 1325 - 1387، وهو يهودي من الباليار هاجرت عائلته إلى شمال إفريقيا مطلع القرن الثاني عشر)، إلى تومبوكتو التي ارتبطت بإفريقيا الشمالية من خلال طرق كانت مرافئها مسكونة باليهود. ليون الإفريقي يشير منذ النصف الأول من القرن الخامس عشر إلى وجود يهود في مملكة جاو ... [11].

يشرح السيد حيدارا، وهو من سلالة "كاتي" [12]، بكل دقة تاريخ مؤسسته القائمة في جوار مسجد جينجيريبر في دار قديمة أعيد ترميمها في تومبوكتو: "بدأ جمع هذه المحفوظات مع الهجرة القسرية لأحد أجدادي من أصل فيزيغوت اعتنق الإسلام واسمه علي بن زياد القوتي، من طليطلة عام 1468 ليقيم في غامبو في بلاد سوننكه. من ذلك التاريخ بدأت تتراكم المخطوطات جيلا بعد جيل من "الكاتي" اسلافي. قررنا إخراجها إلى النور عام 1999".

تضم هذه المكتبة خلاصة للمعارف في القرون الوسطى: مؤلفات في أصول الحكم، نصوص حول مضار التبغ ووصف للأدوية والعلاجات ... مؤلفات في القانون واللاهوت واللغة والرياضيات مع تعليقات وحواش من علماء قرطبة وبغداد أو جنة. فوق رفوف مسيجة بقضبان الحديد ومحمية من غبار الرمل الضار، تصطف فتاوى شرعية حول معاملة اليهود والكفار المسيحيين في تومبوكتو مما يدل على النشاط التجاري الكثيف في تلك الحقبة. بيع العبيد وتحريرهم، أسعار الملح والتوابل والذهب والريش كلها مواضيع كانت تشغل بال كتبة الرقائق المرصوفة إلى جانب مراسلات الملوك على جانبي الصحراء المزدانة بمنمنمات مذهبة.

المخطوطات جميعها مفسرة ومنقحة في الهامش أو على الصفحة الأخيرة التي درجت عادة النساخ على ورق البردى أن يدونوا فيها أسماءهم وتاريخ فراغهم من عملهم. ونعرف من خلال مصادفة باهرة بحدوث هزة أرضية أو مواجهة عنيفة أوقفت الكتابة. بفضل بعض المترجمين المعاصرين، تطفو جدارية افريقية من جديد على سطح التاريخ. لا انسجام بين هذه النصوص، والسبب انه إذا كانت غالبيتها العظمى بالعربية فكل ناسخ كان يعتمد تقليده (التماشك، الهاوسا، البيل وأيضاً السونراي والديولا والسونينكه أو الولوف) على قاعدة خط مشتركة مستوحاة من "المغربي" الذي يسمح بتوفير الورق بسبب اقتصاد شكله.

إن أهمية بعض هذه الوثائق واضحة لا سيما تلك العائدة إلى "تاريخ السودان" للمحمود قاطي (القرن الخامس عشر) والذي يستعيد سلالة زعماء تومبوكتو و"تاريخ الفتاش" لعبد الرحمن السعد من القرن السابع عشر الذي يؤرخ للسودان في القرون الوسطى. إن اكتشاف هذه المخطوطات يعطي إفريقيا جنوب الصحراء الأساس التاريخي الذي أنكر طويلاً عليها والذي بدأت تظهر أهميته. وتؤكد هذه المخطوطات في نوع من رجع الصدى لأعمال المؤرخ السنغالي الكبير شيخ انتا ديوب [13] العمق الروحي لإفريقيا ما قبل الاستعمار. كما تدل على أن ثروة هذه المنطقة قامت على دينامية تجارية ما بين القبائل والتي أطلقها الإسلام وولدها العلماء من خلال قدرتهم على التعليم الجماهيري.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير