ـ[سمير العلم]ــــــــ[27 - 04 - 2008, 10:48 م]ـ
حياكِ الله أختنا محسِّن بديعي:
نحن سعداء بأنا كنا سببا في إنعاش قلب التفاؤل لديك، والحمد لله أني لم أذكر كل ما كنت أريد أن أقوله حول الأبيات، فقد حذفت من تعليقي كلاما حول بعض الأبيات، أثنيت به على ما فيها من توقد العاطفة، وتوهج الشاعرية، وكنت أريد أن أسأل أخي جرول عن الشاعر الذي يقف وراء هذه الأبيات الجميلة، وهل يوافقني الرأي في روعتها؟ ثم حذفت ما كنت كتبته اختصارا من جهة، ولأني رأيت صاحبة المشاركة لم تشر إلى القائل، بل كانت مهتمة أكثر بالمقول.
ومع ذلك فقد كان للكلمات القليلة التي أنطقني الله بها، وقع جميل عليك، وأثر حسن في نفسك، لكنه جاء كالتوطئة، حتى لا تفاجئي بكامل المشاركة، وما فيها من ثناء، فماذا لو أني أثبت مشاركتي كلها؟ أظني أن الأمر سيتعدى الدمع الخفيف، إلى تأثر مخيف:)
أختي الكريمة، قصتك مشجية، وكل صاحب موهبة، يمر أحيانا بأوقات صعبة، لكن محنتك طالت قليلا، ولعل في ذلك خيرا، فقد نضجت التجربة، واتضحت الصورة، وأصبح الطريق أمامك لاحبا (واضحا).
اقرأي ما يلي، وتدبريه، وامتثلي له:
- تيقني أن كل صاحب موهبة عليه واجب تجاه موهبته، فإما أن يكون سببا في حياتها أو مماتها.
- العناية القليلة بالموهبة العظيمة، تنتج شاعرا، والعناية الكبيرة بمعدوم الموهبة أو ضعيفها، لا تغني شيئا.
- الكلام من الكلام، والشعر من الشعر، والشاعرية من الشاعرية، فإذا أردت أن ينضح إناؤك بشعر عظيم، فاقرأي واحفظي لكل شاعر عظيم. والعكس صحيح.
- ضعي لنفسك برنامجا طويل المدى، يشتمل على برامج قصيرة المدى، هدفها الاطلاع على أعظم ما صاغة الشعراء من كل العصور، والتضلع من شعرهم،وأنا زعيم بأن لا تمر سنوات معدودة، حتى تسامقي أكبر شعراء
- يجب أن تكون الجرعات صغيرة، ولكن مستمرة، يجب أن تكون الخطوات بطيئة، ولكن ثابتة.
- لا تضيعي الوقت أبدا في التسويف، واستفيدي من تجارب السابقين، فالسعيد من وعظ بغيره، والعمر أقصر من نمضي لحظة واحدة منه في الندم، أو الخوف، أو التردد. ابدأي الآن.
وأرشح لك أن تبدأي بحفظ قصيدة جليلة زوجة كليب وأخت جساس، التي قالتها بعد مقتل كليب، وشعورها بالغربة، وأنها من حزب القاتل، بوصفها أخته، وأنها من حزب القتيل بوصفها زوجته، والتنازع الذي شعرت بها، والضياع الممتزج بالمرارة، الذي لفها، وهي تخاطب نساء الحي عندما أنكرن عليها بكاءها ووجودها بين الباكيات، فقالت:
يا ابنة الأقوام إن شئتِ فلا = تعجلي باللوم حتى تسألي
فإذا أنت تبينت الذي = يوجبُ اللوم فلومي واعذُلي
يا نسائي دونكن اليوم قد = خصني الدهر برزء معضلِ
خصني فقدُ كليبٍ بلظى = من ورائي ولظى مستقبليإلى أن تقول:
إنني قاتلة مقتولة = ولعل الله أن يرتاح لي
(يرتاح لي: أي يقبضني إليه)
عليك بالشعر الشعر، ودعي الشعر الذي ليس بشعر، لأن الوقت ينفد منك، والعمر قصير. تسألينني كيف تعرفين أنه شعر؟ أقول: إذا لم تلسعك القصيدة بحرارتها فلا تضيعي الوقت في حفظها. كيف كانت حرارة قصيدة جليلة؟ ألم تتألمي لما فيها من (لسع)؟
وعليك كذلك بقصيدة عروة صاحب عفراء، التي يقول فيها:
ألا يا غرابي دمنة الدار بَيِّنا أبالهجر من عفراء تنتحبانِ
فإن كان حقا ما تقولان فاذهبا بجسمي إلى وكريكما فكلاني
كلاني أكلا لم ير الناس مثله = ولا تهضما جنبي وازدرداني (يعني لا تهشما منطقة القلب، فهناك حب عفراء، ابلعاه بلعا، فما ينبغي أن لمكان حل فيه حب عفراء أن يتهشم)
وهكذا، احفظي الروائع، حتى تأتي بما هو رائع. جبران الذي ذكرته، ما أتى بما أتى، إلا بعد أن عاش مع الشعر، ورضع جيِّده رضاعة، وتمرس به تمرسا، افعلي مثل ما فعل، تأتي بمثل ما أتى أو بأجمل، (التفاضل هنا تحكمه أصل الموهبة).
- صاحب الموهبة الفذة، إذا تركها دون سقي ورعاية، فإنها إما أن تذبل، وإما أن تنضح بشعر شعبي، قد يكون جميلا، ولكنه خسر الخلود. إن الشعر الشعبي طريقه مسدود.
- عودي إلى ما كتبته في باب (أنا والشعر)، ففيه كثير مما في نفسي، مما أوصيت به إخوتي الأذكياء، ولا أقول تلامذتي النجباء: البحتري1 وزهرة الزيزفون، وأبا سهيل، والمشاغب.
ـ[سمير العلم]ــــــــ[27 - 04 - 2008, 10:56 م]ـ
¥