التصريع لغةً: يقال: صرّع الباب:جعله ذا مصراعين ,ويقال: صرّع البيت من الشعر:جعل شطريه متفقين في التقفية , واشتقاق التصريع من مصراعي الباب ,وقيل:بل هو من الصّرعين, وهما طرفا النهار ,وقال قوم:هو من الصّّرع الذي هو المثل (11)
والتصريع اصطلاحاً: أن يكون عروض البيت الأول مخالفاً لضربه في الاستعمال فيجعل الشاعر العروض كالضرب فيلزمها من اللوازم ما يلزم الضرب؛أي ما كانت عروض البيت فيه تابعةً لضربه ,تنقص بنقصه ,وتزيد بزيادته (12) ومثال الزيادة قول امرئ القيس:
(من أول الطويل)
قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ وعرفانِ ومنزلٍ عفت آياتُه منذ أزمانِ (13)
فقد جعل تفعيلة العروض (مفاعيلن) كتفعيلة الضرب من أجل التصريع , ولولا ذلك لكانت تفعيلة العروض (مفاعلن) مقبوضة , فعروض الطويل لم تستعمل إلا مقبوضة.
ومثال النقصان قول امرئ القيس: (من ثالث الطويل)
لِمن طللٌ أبصرتهُ فشجاني كخط زبورٍ في عسيب يماني (14)
فالضرب (فعولن) والعروض مثله لمكان التصريع؛لأن العروض في سائر القصيدة (مفاعلن)
ومن ثمّ فإن قيود التصريع ثلاثة ,هي:
1) تغيير العروض عما تستحقه بالزيادة أو النقص.
2) موافقة العروض للضرب في الوزن العروضي.
3) موافقة العروض للضرب في حرف الروي وحركته.
وسبب التصريع" مبادرة الشاعر القافية ليعلم من أول وهلة أنه أخذ في كلام موزون غير منثور فضلاً عما له من طلاوة وموقع في النفس لاستدلالها به على القافية قبل الانتهاء إليها, ولمناسبة تحصل لها بازدواج صيغتي العروض والضرب ,ولذلك وقع في أول الشعر" (15) يقول أبو تمام الطائي: (من ثاني الطويل)
وتقفو إلى الجدوى بجدوى وإنّما يروقك بيت الشعر حين يصرّعُ (16)
وقد يصرّع الشاعر أكثر مرة في القصيدة, كأنّما يعمد بذلك إلى تجزئة الإنشاد إلى مقاطع, يتوقف عند نهاية كل منها, ثم يستأنف الإنشاد من جديد فإذا خرج الشاعر "من قصة إلى قصة ,أو من وصف شيء إلى وصف شيء آخر فيأتي حينئذ التصريع إخبارًا بذلك و تنبيهاً عليه " (17) وأكثر من كان يستعمل ذلك امرؤ القيس لمحله من الشعر (18) كقوله في قصيدة مطلعها: (من أول الطويل)
ألا عِم صباحاً أيّها الطللُ البالي وهل يعمن مَن كان في العُصُر الخالي (19)
وقال بعد بيتين من هذا البيت:
ديارٌ لسلمى عافياتٌ بذي الخالِ ألحّ عليها كلّ أسحم هطّال
وقال بعد أبيات أُُخر:
ألا إنّني بالٍ على جملٍ بالٍ يقود بنا بالٍ و يتبعنا بالِ
وهذا دليل على اقتدار الشاعر وقوة طبعه وسعة بحره إلا أنه إذا كثر في القصيدة الواحدة دل على التكلف.
وليست التقفية ولا التصريع بالأمر المحتم فكثير من القصائد المشهورة غير مصرعة المطلع ولا مقفاة, و مِن الشعراء الفحول مَن يغفل التصريع في البيت الأول قلة اكتراث بالشعر ثُمّ يصرّع بعد ذلك ومِن هؤلاء الشعراء: الفرزدق وذو الرمة يقول صاحب العمدة:"الفرزدق قليلاً مايصرّع أو يلقي بالا بالشعر ..... وأكثر شعر ذي الرمة غير مصرع الأوائل. وهو مذهب كثير من الفحول وإن لم يعد فيهم لقلة تصرفه " (20)
وغلب على الشعراء الصعاليك عدم التصريع " لما كانت تجيش به نفوسهم من ثورة على أوضاع مجتمعهم ,والحرية التي كانوا يعيشون فيها مما جعل شعرهم يثور على الأوضاع الفنية في الشعر الجاهلي " (21) فخلا شعر أبي خراش من التصريع ,وأغلب شعر الشّنفرى و تأبط شرًّا و عُروة بن الورد و صخر الغَيّ و السُّليك بن السُّلكة و أبي الطّمحان القيني.
ورتب ا بن الأثير (637هـ) التصريع من حيث المعنى في سبع مراتب ,هي: (22)
1) التصريع الكامل.
2) التصريع الناقص.
3) التصريع المرتبط
4) التصريع الموجه.
5) التصريع المكرر.
6) التصريع المعلّق.
7) التصريع المشطور
ولعل التمييز بين التصريع و التقفية جاء من قِبل المتأخرين لا المتقدمين , فقد روى الخطيب التبريزي (502هـ) عن شيخه أبي العلاء المعري (449هـ) قوله:"فرّق بعض المتأخرين بين التصريع و التقفية فرقًا صناعيًّا, ليس ممّا يروى عن المتقدمين , فجعل التقفية لما اعتدل شطراه من قبل أن يكون مقفى ... وجعل التصريع لما كان شطراه ليسا بالمعتدلين من قبل أن يصرّع " (23) ولعله جاء كذلك من قِبل علماء موسيقى الشعر ففي باب التصريع من كتاب القول البديع في علم البديع يقول الشيخ مرعي الحنبلي (1033هـ) عن التصريع: " وهو ضربان:عروضي
¥