1 - إن أمثلة ما يسمى في الكامل بالضرب (الخليلي) الثالث: (فعْلن) مع العروض (متفاعلن) لهي أكثر من أن تحصى في القديم والحديث .. وقد جمعتُ منها الكثير مما لم يذكره الراضي أو الطويل .. مما يعني أيضاً أنني لم أطّرح هذا القالب أو أهمله، على الرغم من عدم ذكره في أمثلة البحر الكامل (التسعة عشر) المبثوثة في كتابي الأخير (كن شاعراً) .. فما أهملته في هذا الكتاب التعليمي المبسط كثير جداً. بل إن مما أهملته في الكتاب، الضرب الأحذ (فعِلن) مع العروض (متفاعلن)، وهو الضرب الذي سأل عنه أستاذي سليمان .. وعلى الرغم من رفض الخليل لهذا الضرب، فقد أجازه ابن القطاع، وعدّه الشنتريني في شواذ الكامل، وقال عنه الزنجاني: "والقياسُ جوازه، إذ هو أقرب إلى الأصل من الأحذّ المضمر [فعْلن] ".كما أقرّه ابن الفرخان، وأنشد عليه من شعره:
بكَرَتْ بَواكرُ فجأةٍ فأصابني=لِنَواهمُ كمَدٌ على كمَدِ
ورأيتُ رجْلي في الهوى زلِقَتْ كذا=يا مُنقِذَ العشّاقِ خذْ بيَدي
وللعباس بن الأحنف:
عاصٍ مُسيئٌ مُذنِبٌ متَعتِّبٌ=أخفَى رِضاهُ وأظهَرَ الغَضَبا
إنّي اعتذرْتُ لهُ مِنْ ذنْبٍ لهُ=عندي، لِيُظهِرَ لِيْ الرِّضَى فأَبَى
ومن المحدثين، يقول أبو ماضي:
والجيشُ معقودٌ لواؤكَ فوقهُ=ما دُمْتَ تكسوهُ وتُطعِمُهُ
للخُبزِ طاعتُهُ وحُسْنُ وَلائهِ=هوَ (لاتُهُ) الكبرَى و (بَرْهَمُهُ)
وللزركلي:
رحِموا الكبيرَ وقد بَدا إعْياؤهُ=لَمّا تَقطّعَ خَطْوُهُ وَلَهَثْ
عبَثُ الشبابِ مضَى فهلْ منْ حكمةٍ=للشيخِ؟ أمْ كلّ الزمان عَتَبْ
ويقول عبد الواحد صالح:
قيثارةُ الأشجانِ تسكُنُ أضلُعي=تشدو ومنها النفْسُ قد طرِبَتْ
دنيا الشقاوةِ أظهرتْ لي نابَها=وبمعصمي أظفارها نشَبتْ
حطّمتُ آمالي وكلَّ مَطالبي= ومُنايَ عن آفاقها حُجِبَتْ
ولمحمد عبد المنعم خفاجي عدد من القصائد على هذا النغم، يقول في إحداها:
أمّاهُ كنتِ ليَ الحنانَ جميعهُ= وبكِ الرضا والعطْفُ والسَّكَنُ
عشْتُ السرابَ وذقْتُ كلَّ خداعهِ=وأصابَ غيري الخوفُ والوَهَنُ
أمّاهُ أبكي العمْرَ وهْوَ مُضَيَّعٌ=وقلوبُ دهري البغْضُ والضَّغَنُ
ويقول إسماعيل أبو شقرة:
متوفّز الأعصاب أذهبُ للكرى=وأقومُ منهوكاً من الأرَقِ
وأعيشُ في زَمَنٍ كمثْلِ سفينةٍ=تهتزُّ في بحرٍ من القلَقِ
لا ريحَ تخدمُها ولا ربّانُها=كفُؤٌ فيعصمها من الغرَقِ
وأنا أحاولُ أن أكون لأهلِها= نوحاً، وإنْ أبحرْتُ في عرَقي
2 - ذكر أخي سليمان أن الإقعاد في الشعر هو (عيب في القوافي) وأظنه عنى (عيباً في الشعر)، يعني خروج الشاعر من عروض لأخرى في ذات القصيدة، كمجيء (فعِلن) أو (فعِلاتن) عروضاً مع (متفاعلن) كما في المثال الذي أورده.
وأظنّ أن العروضيين قد أنكروه في الكامل لندرته، أو قلة وروده، فذكروه في باب الشاذ. وأما في عروض (المتقارب) فربما كانت (فعو) و (فعولُ) أكثر استخداماً من الأصل (فعولن)، ولذلك عدوه في باب الزحافات المقبولة.
وقد خصّ القدماء الإقعاد بالبحر الكامل، وأرى تعميمه على ما شابه ذلك من بحور الشعر الأخرى.
ـ[سليمان أبو ستة]ــــــــ[11 - 09 - 2008, 09:59 م]ـ
كم أفرحتني النماذج الغزيرة التي جاء بها أخي عمر على الضرب الرابع للكامل (على رأي الزنجاني) من بين قديم الشعر وحديثه. وفي ظني أن الشواهد التي جاء بها المتأخرون من العروضيين على هذا الضرب لا ترقى إلى درجة الاستدراك الحقيقي على الخليل لأنها لم تكن تعدو شاهدا وحيدا مجهول القائل وهو قوله:
عهدي بها حينا وفيها أهلها ... ولكل دار نقلة وبَدَلْ
ولكني أعجب لهم كيف لم يتنبهوا لأبيات العباس بن الأحنف التي نبهنا إليها الدكتور عمر خلوف وإن كنت أحسب أنهم عدوها من رابع الكامل عند الخليل لأن البيت الثالث منها ورد أحذ العروض، وهو قوله:
أفليس ذا يا أخوتي عجباً ... قالوا بلى فكفى بذا عجبا
وبالتالي فقد نظروا إلى اختلاف الأعاريض على أنه من الإقعاد.
وبالمناسبة فبعض من أشاروا إلى الإقعاد كانوا يخلطون بينه وبين الإقواء وهو من عيوب القوافي، ويلاحظ أن في البيت الثاني خطأ مطبعيا جعل (إليه) تقرأ (له).
أما قول أخي عمر "وعلى الرغم من رفض الخليل لهذا الضرب .. " فأحسب أنه علق بذهنه من قول الزنجاني: (وأباه الخليل، والقياس جوازه) وهو يوحي باطلاع الخليل على هذا الشاهد أو غيره ثم طرحه إياه. غير أن الزنجاني أخذ هذا التعبيرعن الزمخشري في القسطاس في قوله: (وقد جاء عن العرب فعلن في الضرب، والعروضُ متفاعلن، وأباه الخليل)، ولم يفهم الزنجاني المقصود منه وإنما فهمه ناسخ مجهول وضع في حاشية الأصل قوله: "يعني لا يجيء للسالم العروض ضرب أحذ، عند الخليل"، وهذا قول سليم يفسر عدم رؤية هذا الضرب في نظام الخليل.
ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[12 - 09 - 2008, 12:35 ص]ـ
شكراً لك يا أبا إيهاب ..
عندما بدأتُ في جمع شواهدي الشعرية، على قوالب الشعر المختلفة، لم يكن قصدي الاستقصاء، وإنما كثيراً ما كنتُ أكتفي بالحصول على بعض الشواهد المناسبة لذلك القالب، ولذلك فأنا على يقين بأن من أراد الاستقصاء لا بد له أن يجد أمثلةً أخرى قديمة وحديثة ..
وكنتُ قد وجدتُ في كتاب الأغاني بيتاً غير منسوب لأحد يقول:
الحَيْنُ ساقَ إلى دمَشْقَ، ولم أكُنْ=أرضَى دمَشْقَ لأهلِنا بلَدا
¥