وإن عدنا للمعاجم نسأل عن معنى (قَلَمَ الشيء (لرأيناها تقول: قطعه، وبراه، وهيأه من جوانبه، فذلك الأصل المفهوم المعنى هو الذي يجعلنا نفهم دلالات أي لفظ جديد علينا مشتق من هذه المادة
والاشتقاق يمنح اللغة الحياة، ويزيدها ثراء، ويساعد على تطورها ومسايرتها لأي عصر تعيش فيه، فهو ضرورة لنمو اللغة، فبه تتسع وتستوعب ما يجد على الساحة من مواقف ومصطلحات واختراعات، فـ "إن الألفاظ العربية تكثر ويتوالد بعضها من بعض باستمرار، وتؤدي بهذه الطريقة وظيفتها في الحياة، إذ تقابل كل مولود جديد حسيا كان أم معنويا بمولود جديد مثله من اللفظ من الأصول الموجودة"
فاللغة العربية لغة حضارية تستوعب كل جديد، ولنضرب مثالا على ذلك ببعض المخترعات الحديثة، فإن أي جهاز جديد يخترعه الإنسان عبر عصور الحياة المختلفة له مكان في اللغة وإن لم يكن معروفا عندها قبلا، فهناك أوزان وصيغ قياسية وسماعية نصُبّ فيها مادة الكلمة التي تعبر عن وظيفة ذلك الجهاز أو عن سمة بارزة فيه، ونخرج بالاسم الجديد الذي يدل من صيغته ومادته على طبيعة ذلك الجهاز ولو كان السامع لم يره من قبل أو يعرف عنه شيئا، فالعرب لم يعرفوا الطائرة ولا الحوامة ولا الثلاجة، فلما اخترع الجهاز نظرنا إلى عمله وصغناه على واحدة من أوزان اسم الآلة وخرجنا بهذا الاسم الجديد، نثري به قاموس العربية، ونضم إلى أسرة الضاد عضوا جديدا من مكتشفات العصور المتأخرة، ونساير ركب الحضارة باسم عربي أصيل شديد الدلالة على معناه.
ولنفترض أننا لم نر ذلك الاختراع المسمى بالغواصة، لكننا نسمع باسمها العربي، فيمكننا بكل سهولة أن نتخيل أنها مركبة تتحرك في أعماق الماء، اعتمادا على معرفتنا بمعنى الغوص وصيغة (غوّاصة). ولكن في مجموعة من اللغات الأخرى إن سمع الإنسان عن اسم جهاز جديد فإنه لا يمكن أن يتخيل عمله إلا إن رآه أو شرحوا له عنه، وهذه هي الميزة التي تحدثنا عنها قبل قليل من أن الكلمة تحمل معناها في حروفها، وتحمل طابع نسبها، فتساعد على الفهم وتعين على التواصل
وهذا مثال مفصّل عن اتفاق الألفاظ في قدر مشترك من المعنى
فلنتطلع إلى مادة مثل (جنن) في اللغة العربية، ما المفردات الجديدة التي نشتقها من هذه المادة؟ جِن، جَنّـ ة، جُنة، جِنّة، جنون، جنين، مجن، جنان
كل تلك الكلمات تشترك في معنى أصلي واحد هو الستر، فلنتأمل فيها جيدا لنرى مصداق ذلك، الجن مستترون عن أعين الخلق لا يراهم الناس كما قال تعالى: "إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم"، والجِنة بالكسر هم الجن، قال تعالى: "من الجِنّة والناس"، والجَنة هي البستان، والبستان تكثر أشجاره وتلتف فتستر ما داخلها ومن يدخلها، وسميت الجنة بهذا الاسم ـ إضافة إلى هذا ـ لأنها ثواب للمؤمنين لكنه مستور عنهم لا يعرفون حقيقته مهما تخيلوا (ولا خطر على قلب بشر (، والجُنة بالضم هي ما يُتقى به، قال عليه الصلاة والسلام: (والصوم جُنة) أي وقاية، والمِجن هو الترس لأن حامله يستتر به عن عدوه لكيلا يصيبه، والجنين مستتر في بطن أمه لا يُرى، والجنون هو ستر العقل، والجنان هو القلب وعواطف القلب ومشاعره بيد خالقه لا يعرفها إلا هو، ولا يغيرها أو يقلبها إلا هو، ولا يجزي عليها حُسنا وسوءا إلا هو
===============
إعداد: أنوار الأمل
انظر: * مدخل إلى فقه اللغة: أحمد محمد قدور
* فقه اللغة وخصائص العربية: محمد المبارك
* مقاييس اللغة: أحمد بن فارس
ـ[محمد الجبلي]ــــــــ[27 - 05 - 2003, 07:41 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلام ابتعد عن الكلام لأنه اتخذ من الموضوعية اساسا له , وانتهج الاسلوب العلمي , ولم يخرج عن مناهج البحث ,
لله درك حتى الحاشية لم تهمليها كما يفعل البعض للاسف الشديد
ولكن انوار الامل شيء مختلف , كل ما استطيع قوله هو انها لا تتكلم من فراغ , انما تستند الى قاعدة علميه وثقافة متزنة
واما الاشتقاق فهو كما قالت نمو وحياة للغة العربية ,
فنستطيع ان نصوغ من الثلاثي مالا حصر له من المشتقات , وكأني بالفعل الثلاثي وقد قرأ عنوان المقالة فقال , باعتباره الاب والاصل للبقية:: (صحيح من خلف ما مات))
ـ[ابن الحرمين]ــــــــ[31 - 05 - 2003, 02:14 م]ـ
جزاك الله خير أختي الفاضلة " أنوار الأمل "
وجعل ما كتبتيه في ميزان حسناتك ..
لكن أختي حبذا لو أشرتي إشارات يسيرة إلى أنواع الاشتقاق ..
الأصغر، الكبير، الأكبر، الكبّار ... هذا ماأذكره الآن ..
رعاك الله
ـ[أنوار الأمل]ــــــــ[21 - 06 - 2003, 11:46 م]ـ
الأستاذ الفاضل أبو خالد
شكرا جزيلا لمرورك بالموضوع وتفضلك بالتعليق
وذكر المصدر من أوجب ا لواجبات
فلا فخر لي إن كتبت شيئا ليس لي ونسبته لنفسي
بل هو عار علي ونقص من قيمة نفسي أمام نفسي
ثم إننا كلنا متطفلون على العلماء أو على كتبهم
وليس لنا إلا القراءة والصياغة وقليل من الأفكار
وكله "هو من عند الله"
... **** ****
الأستاذ الكريم ابن الحرمين
بارك الله لك في جوار الحرمين
ستكون للاشتقاقات موضوعات مستقلة بإذن الله
ولم أشر لها هنا لأن بعض العلماء لا يعترف إلا بالنوع الوحيد الذي تحدثت عنه
لأنه هو أساس العربية