تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[لغتنا = هويتنا]

ـ[أنوار الأمل]ــــــــ[23 - 01 - 2004, 11:00 م]ـ

لغتنا هويتنا

دعوات كثيرة تنادي بوحدة الأمة وحمايتها ضد أعاديها، وحفظ أراضيها، وصيانة فكر بنيها من أعاصير الفكر الوافد الجارف، وإنقاذها من ثقافات غربية وشرقية تنتقل بما فيها من خير وشر وتعبر عن حياة أصحابها وأخلاقهم وبيئتهم

فإن لم تكن الوحدة كما نتمنى، فلا أقل من التفاهم والالتقاء على قلب واحد والتصدي لهجمات خارجية شرسة ضد مقدساتنا وعقولنا وثقافتنا وقبل ذلك وبعده ديننا ... وهذه هي الخطوة الأولى على درب الوحدة التي نطمع فيها ولو على المدى البعيد

وإن الأمل في أفراد الأمة أن يبدؤوا بأنفسهم ومن حولهم في مجتمعهم ومن تحت أيديهم، فالوعي الداخلي مهم جدا، وهو مسؤولية كل فرد من أبناء الأمة، كل في مجاله وما يسره الله له

ومن أهم ما ينبغي الحرص عليه ليكون لبنة مهمة في صروح الوحدة المأمولة أو الاستقلال المنشود هو اللغة العربية التي تعد ركنا أساسيا في ذاك الصرح ومظهرا مهما من مظاهر الوحدة والاستقلال

وتتميز اللغة العربية أنه لا يمكن الاستغناء عنها في هذا المجال أبدا، ومن استغنى أو ادعى القدرة على ذلك ففي عمله نقص فلا يحلمنّ باكتماله أو قطف شيء من ثمراته

فالقومي حين يجعل القومية العربية شعاره ويبني عليها إنجازاته لا بد أن تكون اللغة أهم أداة يلتفت إليها ويؤلف القلوب عليها ويجهد لنشرها والاعتزاز بها وإلا فقوميته عرجاء لن تقوم لها قائمة

والسياسي الذي قد يطمح إلى بناء دولة قوية تجمع أقطارا متعددة ـ أرضا أو قلبا على الأقل ـ لا بد أن يركز على أبرز العوامل التي تلم شمل المفترق وتساهم في بناء تلك الدولة بجمع القلوب والثقافات، وتلاقح الأفكار والخبرات، وإمكانية التعايش الميسر، واللغة من تلك العوامل التي لا غنى عنها في هذا المجال

والمثقف الذي يرمي إلى تقوية علاقة قومه بثقافتهم، وممارستها فعلا لتغيير واقعهم إلى ما هو أفضل، ليس له من سبيل إلى ذلك إلا بالعودة إلى الجذور أولا ثم البناء عليها، وتلك العودة تستلزم اللغة مفتاحا لولوج باب العلم الأصيل وإقامة الصرح الحضاري الثقافي لأمته

والإسلامي الذي يأمل في تحكيم الإسلام في حياة العباد كما أراد الله عز وجل، ويتسع فكره ليطوف في جنبات عالم كبير يحلم بتآلفه واجتماعه على محبة وسلام، فاللغة من أقوى عوامل التواصل والتوحد إذ هي لغة القرآن الذي جمع الملايين من البشر عبر أرجاء العالم كافة ـ البلاد الإسلامية وغيرها ـ على كلمة التوحيد. تشتاق القلوب إلى ورود معينه فتغرف وتغرف ولا تشبع، ووسيلتها في ذاك أن تعرف لغته فتقرأه وتتدبره وتلتزم به وتنهل من فيض العلوم الإسلامية

واللغة ـ أيا كانت ـ هوية صاحبها ومستودع فكره وخزانة علمه وصورة نفسه، هي نبض قلبه وسريان دمائه ومشاعر حسه، هي تعريف بيئته ووعاء فكره وانعكاس خلقه، وليست هذه كلمات مبالغة أدبية في وصفها بل هي كذلك بالفعل

واللغة العربية خاصة هوية صاحبها .. هوية تصرخ أنا عربي .. أنا مسلم .. أنا صاحب أعظم لغات الأرض قاطبة .. فلغتي هي كلام الله .. لغتي اختارها الله عز وجل لتحمل قرآنه (كلام الله المنزل على عبده) وشرفني بخلودها وعالميتها بخلود كتابه وعالمية دينه، لا يهمني إن كان أصلي ـ دما ونسبا ـ غير عربي فلساني عربي وهكذا وصف الله القرآن " وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ" ـ النحل، "وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيّاً" الأحقاف

قال الشاعر: كم أجنبي غريب بات يحفظها ** كحفظ عينيه أن يغشاهما الوجع

هذا لسان حال غير العربي وحفظه لها، فكيف بالعربي أصالة؟ ألا ينبغي أن يفخر بها؟ لو لم يكن له من فخر إلا أنها لغة القرآن لكفى .. فكيف وهي لغة ذات خصائص فريدة وجماليات آسرة تتميز بها عن سائر لغات الأرض؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير