تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الاشتقاق .. نمو وحياة]

ـ[أنوار الأمل]ــــــــ[15 - 03 - 2003, 09:25 م]ـ

من أبرز خصائص اللغة .. وسبيل النمو والبقاء والإثراء

[الاشتقاق .. نمو وحياة]

اللغة العربية .. لغة الجمال والتفرد، تتميز بخصائص منحتها تلك المكانة العالية، ومن هذه الخصائص التي تكتسي اللغة بها نضارة وبهاء وثراء خاصية الاشتقاق

فالاشتقاق خاصية رائعة في اللغة العربية، وبفضلها تتميز لغتنا الجميلة بالحياة التي تمور بها ألفاظها ودلالاتها، وبالنمو المتجدد، وينتج عن ذلك كله بقاء اللغة وحفاظها على أصولها وفروعها

علينا أولا أن نبدأ بمعرفة معنى الاشتقاق. يعرفه العلماء بأنه أخذ كلمة من أخرى على أن يكون بينهما تناسب في معنى أصلي، وتغيير في اللفظ يضيف زيادة على المعنى الأصلي.

فمن كلمة (كتب) تظهر لدينا مجموعة كبيرة من الكلمات تضم أصلَ الكلمة حروفا، وجزءا من معنى، مع تغيير في المعنى والصيغة دلالة على أمر جديد له صلة بالمعنى الأصلي، ويتعلق بالاشتقاق ما تزخر به العربية من الصيغ والأوزان وهي قوالب وأشكال تصب فيها المادة الأساسية للكلمة فتخرج لنا كلمات جديدة تدل بمادتها على معنى، وتدل بشكلها ـ صيغتها ـ على هيئة معينة من ذلك المعنى، فإنا إن أخذنا من مادة (كتب) كلمة على وزن (فاعل) قلنا (كاتب) وفهمنا من الكلمة الجديدة معنى الكتابة من المادة الأصلية التي نجد حروفها في الكلمة، وفهمنا أنها تدل على من يقوم بذلك العمل وهو الكتابة، والكتابة نفسها صيغة جديدة على وزن (فعالة) تدل على العمل نفسه، وإن اشتققنا من المادة على وزن (مفعل) عرفنا أننا نقصد المكان الذي تكون فيه الكتابة وهو المكتب، وهكذا يمكننا أن نقول: مكتوب (مفعول)، كتاب، كُتّاب، مكتبة

فإن أردنا إجراء مقارنة مع بعض اللغات الأخرى لوجدناها تفتقد هذه الخاصية، فتعتمد على جذر ثم تضيف مقطعا جديدا أو مقاطع قبله (سوابق) أو بعده) لواحق)، ويبقى الجذر على حاله لا يمسه تغيير (جامد). فما الذي يترتب على ذلك؟ يترتب عليه أن نجد الكلمات المتقاربة المعاني في أماكن مختلفة في معاجمهم، فهي تتوزع هنا وهناك حسب الحرف الأول الذي يحمله المقطع الجديد الإضافي، ولا علاقة لنا بجذر الكلمة، ولا باتفاق المعاني

فما فوائد الاشتقاق في لغتنا؟

الاشتقاق يقيم العلاقات بين الألفاظ بعضها بعضا، وبين الألفاظ ودلالاتها، وذلك بسبب الاشتراك في معنى أصلي واحد ناجم عن اتحاد حروفها الأصول، ثم بسبب الصيغة التي تحمل الكلمة الجديدة والتي توحي لنا بجزء آخر من المعنى، لذلك نجدها في العام متضامنة متآلفة في مكان واحد نظرا لاتفاقها في معنى أصلي يجمعها.

ويعين ذلك كله على بقاء الصلة قائمة بين اللغة وبين أبنائها على تباعد الأجيال وطول ما يمر من سنين، فيستطيع العربي أن يقرأ ويفهم ما كتب قبل ألف عام مثلما يستطيع أن يفهم ما كتب قبل يوم أو ما سيكتب في المستقبل

الكلمات في العربية تتجمع في مجموعات هي كالقبائل التي يعيش فيها العرب، وتحمل هذه الأسرة اللغوية كلها قدرا مشتركا من المعنى، وتنفرد كل واحدة بمعنى خاص بها إلى جانب احتفاظها بالقدر المشترك، فهذه الألفاظ تعيش متآلفة في هذه الأسر اللغوية التي تجمعها كالأسر والقبائل التي يعيش العرب فيها، ولعل اللغة في ذلك تحاكي طبيعة حياة العرب، ولكن هذه الألفاظ "مهما ابتعدت في معناها وفي حياتها وتاريخها تحمل طابع نسبها في الحروف الثلاثة التي تدور معها أنى دارت وهذه مزية في اللغة العربية ليست لغيرها من "اللغات"، ويكفي أن يعرف العربي مادة كلمة من الكلمات حتى يصوغ منها كلمات أخرى على أوزان يعرفها، وإذا سمعها كذلك لأول مرة وكان يعرف معنى المادة ومعنى الصيغة أو الوزن فإنه يدرك معناها عن طريق الأداة و الصيغة معاً

وإليكم هذه القصة الصغيرة التي توضح ذلك، سئل أعرابي: ما القلم؟ فقال: لا أدري، وكان هو لم ير القلم أو يسمع بهذا الاسم من قبل، فقالوا له: توهمه، أي أنهم طلبوا منه أن يتخيل ما هذا الشيئ؟ فقال: هو عود قُلّم من جوانبه كتقليم الأظفور

هل تلاحظون كيف تمكن ذلك الأعرابي من تخيل شيء لم يره أو يسمع به لمجرد سماعه اسمه؟ أي لغة هي هذه الضاد التي هُجرت ووجه لها ما وجه من الظلم على فضلها وجمالها!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير