1 - أن يتكلم به لحاجة كأسماء بعض المصنوعات أو المصطلحات العلمية ونحوها مما لا يعرف لها مقابل في العربية أو كان السامع لا يفهم مراده إلا باللفظ الأعجمي [10] فلا بأس بالتكلم بها في هذه الحال؛ لكن ينبغي السعي في تعريبها حفظاً للغة العربية من الضمور والانحسار.
2 - أن يتكلم به لغير حاجة، وله صورتان:
الأولى: أن يقع ذلك منه على سبيل الإعجاب بالأعجمية ومحبتها وإيثارها فهذا لا ينبغي، وفاعله مبتلى بالنقص والهزيمة النفسية.
الثانية: أن لا يكون منشأ ذلك محبة الأعجمية والإعجاب بها؛ والذي يظهر أن هذا على قسمين:
1 - أن يكون ذلك قليلاً أو نادراً. وهذا لا حرج فيه إن شاء الله.
قال البخاري رحمه الله: " باب من تكلم بالفارسية والرطانة " [11].
وأورد تحته ثلاثة أحاديث، الأول: حديث جابر رضي الله عنه قال: " قلت: يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا، وطحنت صاعاً من شعير فتعالَ أنت ونفر. فصاح النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أهل الخندق! إن جابراً قد صنع سوْراً، فحيَّ هلا بكم " [12].
والشاهد هنا في قوله: " سُوْراً " بضم السين وسكون الواو وهو الطعام مطلقاً أو الطعام الذي يُدعى إليه. وهو بالهمز (السُّؤر) بقية الشيء. قال الحافظ: " والأول هو المراد هنا " [13] ونقل عن الطبري أنه من الفارسية. قيل له: أليس هو الفضلة؟ قال: لم يكن هناك شيء فضل ذلك منه، إنما هو [أي معناه] بالفارسية: من أتى دعوة " [14].
الحديث الثاني: حديث أم خالد بنت خالد بن سعيد؛ قالت: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي وعَلَيَّ قميص أصفر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سَنَهْ سَنَهْ " [15]. قال عبد الله (وهو عبد الله بن المبارك رحمه الله أحد رواة هذا الحديث): وهي بالحبشية: حسنة. والشاهد فيه قوله: " سَنَهْ سَنَهْ " بفتح النون وسكون الهاء، وفي بعض الروايات: " سناه " بزيادة ألف. والهاء
فيهما للسكت وقد تحذف؛ وقد جاءت بعض الروايات بحذفها.
وأم خالد رضي الله عنها وُلِدت في الحبشة، وقدمت مع أبيها وهي صغيرة.
والحديث الثالث: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: " أن الحسن بن علي أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بالفارسية: كخ، كخ! أما تعرف أنَّا لا نأكل الصدقة؟ " [16].
فقوله " كخ، كخ " كلمة تقال لردع الصبي عند تناوله ما يُستقذر، قيل عربية، وقيل أعجمية، وذهب بعضهم إلى أنها مُعرَّبة [17]. وصنيع البخاري يدل على أنه يرى أنها أعجمية. والله أعلم.
قال الحافظ: وقد نازع الكرماني في كون الألفاظ الثلاثة أعجمية؛ لأن الأول يجوز أن يكون من توافق اللغتين، والثاني يجوز أن يكون أصله: " حسنه " محرف أوله إيجازاً، والثالث من أسماء الأصوات. وقد أجاب عن الأخير ابن المنيِّر فقال: وجه مناسبته أنه صلى الله عليه وسلم خاطبه بما يفهمه مما لا يتكلم به الرجل مع الرجل؛ فهو كمخاطبة العجمي بما يفهمه من لغته. قلت: وبهذا يُجاب عن الباقي " [18].
ولعل هذا الأخير لا يظهر؛ لأن هؤلاء جميعاً كانوا من العرب.
ويحتمل أن الأول والثالث من قبيل الدارج في لغة العرب الذي صار من جملة الألفاظ المستعملة عند أهل العربية.
وأما الثاني وهو حديث أم خالد فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قاله لهذه الجارية الصغيرة على سبيل الملاطفة والمداعبة لكونها قدمت من الحبشة؛ والغالب أنها تعرف بعض كلامهم. والله أعلم.
ومما ورد في هذا الباب ما أخرجه ابن عساكر في تاريخه [19]، وساقه الذهبي بسنده [20] عن علي رضي الله عنه أنه قال للقاضي شريح وقد حكم في قضية بين يديه فأعجبه حكمه: " قالون " وهي بلسان الروم بمعنى: أحسنت أو جيِّد. ولم يكن شريح رومياً ولا مقيماً في أرض الروم، بل كان من كندة في أهل اليمن، وولي القضاء في الكوفة ستين سنة.
ومن ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة وفيه من لا يُعرف أن أبا هريرة رضي الله عنه أشرف على السوق فقال: سحت وداست [21].
وأخرج ابن أبي شيبة أيضاً عن منذر الثوري قال: " سأل رجل ابن الحنفية عن الجبن فقال: يا جارية: اذهبي بهذا الدرهم فاشتري به ينيراً [22]، فاشترت به ينيراً ثم جاءت به " [23] يعني: الجبن.
¥