تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال عبد العزيز: فقلت: يا أمير المؤمنين أطال الله بقاءك إنما قد خاطبت أمير المؤمنين بما قد حصل في يدي، واقر بشر به وأشهد أمير المؤمنين على نفسه، وعلمت أن أمير المؤمنين قد حفظ عليه كلامه، ولولا ذلك ما اجترأت على ذلك، فقال لي المأمون، كنت تقصد بشرا وحده بالكلام والمخاطبة دون سائر الناس، قلت: لم يدعني، جعلت أسأله في خاصة نفسه فيقول: هذا قولي وقول سائر الناس وقول العرب والعجم، فأجبته على حسب كلامه، وصدق أمير المؤمنين هذا يلزم من أقر به دون غيره إلا من قال مثل قوله وأقر بمثل ما أقر به وهذا الذي عنيت بقولي الأول حين قلت: ومن قال بقوله فقال: قد أحسنت يا عبد العزيز الانتزاع.

قال عبد العزيز: ثم أقبل علي المأمون فقال: يا عبد العزيز تكلم في بيان هذا واذكر الجعل والخلق وفرق بينهما واشرح ذلك ليقف عليه من بحضرتنا ويعرفه، فقلت: نعم يا أمير المؤمنين أطال الله بقاءك، ولكن إن رأيت أن تأذن لي فأقول قبل البيان والشرح أشياء في هذا المعنى مما أكسر به قول بشر وأدحض به حجته وأفضح به مذهبه وأبطل به اعتقاده فقال: لا يطول بنا المجلس فقلت: يا أمير المؤمنين إنما أدرسه درساً يا أمير المؤمنين، قال: قل ما تريد، ولا تخاطب بشرا أقبل علي ودعه. قلت: قال الله عز وجل لنبيه r: { لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً} وقال في موضع آخر لنبيه r: { وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً} فزعم بشر يا أمير المؤمنين إن الله قال لنبيه r لا تخلق مع الله إلها آخر، فمن أقبح قولا من هذا أو أفحش منه. وقال الله عز وجل لنبيه عليه السلام: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} فزعم بشر إن الله قال لنبيه عليه السلام ولا تخلق يدك مغلولة إلى عنقك، فزعم أن الله خلقه وبعثه رسولا، وليس له يد، ثم خاطبه بعد الرسالة فقال: ولا تخلق يدك، والله سبحانه خلقه خلقا سويا، وما أقبح هذا القول وأشنعه وأبين كسره وقال الله عز وجل: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً} فزعم بشر يا أمير المؤمنين أن الله عز وجل قال لخلقه: لا تخلقوا دعاء الرسول بينكم، ما أقبح هذا من قول وأدحضه، وقال عز وجل: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} فالله يأمرها بعد ولاته والرضاع له أن تلقيه في اليم ويعدها أن يرده إليها ويجعله من المرسلين. وبشر يزعم إنه وعدها أن يرده إليها ويخلقه، وهذا مالا يعقله الناس، كيف يخلقه وهو مخلوق، وقال عز وجل: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} وزعم بشر إنه يريد أن يمن على الذين استضعفوا في الأرض ويخلقهم وهم مخلوقون مستضعفون في الأرض هذا مالا تعقله العرب ولا العجم. وقال عز وجل: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} فخاطبه بعد خلقه وبعد فهمه ومعرفته، وزعم بشر أن الله تعالى قال لداود: إنا جعلناك خليفة في الأرض، وهذا مما لو خوطب به داود عليه السلام ما عقله، وقال الله عز وجل مخبراً عن دعاء إبراهيم عليه السلام وإسماعيل عليه السلام حين قالا: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} فأخبر أنهما دعيا ربهما وهما مخلوقان، وزعم بشر أنهما دعيا ربهما إن يخلقهما مسلمين كان قد خلقهما، وقال الله عز وجل مخبرا عن دعاء إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً} وقد كانت مكة مخلوقة قبل آدم عليه السلام وقبل إبراهيم، فكيف يدعو إبراهيم بخلقها وهذا مما لا يعقله الناس، وقال عز وجل: {مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ} فأخبر الله أنه ما جعل ذلك كله، وزعم بشر أن الله ما خلق البحيرة ولا السائبة ولا الوصيلة ولا الحام، وإنما خلقهما الكفار من دون الله تعالى ومن قال هذا فقد كفر بالله عز وجل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير