فعند البدو، إذا أصيب احد بهذه الروح جلب له " المُسكن " (بضم الميم)، ويكون المُسكن في الغالب مصاباً سابقاً بمثل هذا المرض وقد شفي منه، ليقوم بإخراج الجنيه من جسم المريض، وذلك بان يوضع المريض في وسط الدار، ويغطي وجه ورأسه بقطعة قماش، ويجتمع حوله الأهل والأقارب والأصدقاء ويباشرون في إشعال البخور لطرد الأرواح الشريرة من المكان وبضرب الدفوف وتلاوة الأدعية والتوسلات إلى الله تعالى ورسوله وصحبه المؤمنين كقولهم: " ليلة الاثنين حادي تنزل السادات فيها " فإذا باشر المريض " بالنَّعْش "، أي بتطويح رأسه يميناً وشمالاً، كان ذلك علامة على إن الجني يوشك إن يخرج. وهنا يتصايح القوم: " مرحبا .. مرحبا " وهم يرحبون بالجني الذي سيغادر الجسم، أو سيتكلم بعد برهة على لسان المريض.
وهنا يباشر " المسكن " بالكلام مع المريض، فيسأله وهو يقصد أن يحادث ويسال الجني بداخله: " من أين أنت قادم؟ " فيجيب المريض، وهو يتكلم على لسان الجني، أو أن الجني يتكلم من لسان المريض كما يعتقدون فيقول أما من البحر أو يقول من البر، أو من بلاد مجاوره .. الخ.
ويعود المسكن فيسأله: ماذا تريد حتى تخرج؟ فيجيب المريض متكلماً بلسان الجني أيضاً: انه يريد ذهباً أو فضه، أو أنه سيخرج إذا أعطوه (الراي والأمان) أي إلا يصيبه احد بأذى، وبعدها يخرج من جسم المريض، ويشفى بعدها المريض.
وقد يستمر العلاج عدة أيام على هذه الصورة إلى أن يخرج الجني، فان عصى عن الخروج عالجوه بالضرب بالعصا، وسمو الطريقة " الرُعب " أي تخويف الجني وضربه ليغادر الجسم. وسموه " زَار مِعْصِي " أي عاصٍ عن الخروج.
ومن معتقداتهم في هذا الصدد أن الجن قد " يصيب " الفتاه ويسكن جسدها، فإذا أنجبت مولوداً حياً ثم مولوداً ميتاً، وهكذا، فإنهم يقولون إنها مصابه " بأم الصِبْيان "، وهي جنية شريرة.
كما يعتقدون بان الفتاة التي تبقى عانساً لا تتزوج تصاب ايضاً بالزار، ويعالجونها بالإيحاء لها بالكلام عن مشكلتها.
ومن الجدير بالذكر بأنني حضرت مجلساً للزار أقامه جماعة من المناصير ولا بد لي من القول بأن طريقة المعالجة هذه فيها الكثير من العلمية والواقعية، وأن مهمة " المُسكن " كانت كمهمة الطبيب النفساني الذي يعالج مرضاه بالإيحاء لهم بالكلام عن مشاكلهم النفسية والعصبية، وهي طريقه علميه حديثه يقوم بها علماء النفس في أوربا وأمريكا في يومنا هذا، علاوة على إنها طريقه دينيه يسودها الكثير من الوقار والاحترام والتشفع عند الشفيع الأعظم، لكي يبرئ المريض من علته.
أما في المدن فان بعض " البنابيس " وهم الافارقة العبيد الذين يسكنون المنطقه، لهم طريقه تكاد تشبه طريقة البدو في مظهرها العام، الا انها تتم وسط جو صاخب من الرقص والغناء. فهم يباشرون بترديد تراتيل غريبه، كقولهم: " وَدي وَلَه دُوِي يا وَارْ ـ يُوم ماما وَدَوي يا بَرا رِيبَه يا بَرَّارْ ـ وَرْدَه مَامَه هوي يَا مُو يا مَرَّارْ ". وهذه لغة افريقيه سواحليه ظاهره. ثم يعقبها ايقاع راقص على الطبول والدفوف، مع تصفيق بالأكف وغناء سواحيلي على وزن (المامبو) المعروف. ويباشر الجميع بالرقص وهز الاكتاف وهم جلوس حول المريض، ينفخون في وجهه دخان لفائفهم ونرجيلاتهم، التي من المحتمل ان يكون فيها بعض الدخون المحدره كالحشيش وما اليه. وقد يبلغ (هوس) الرقص عند بعضهم بأن يلقي برأسه بين ركبتيه وهو جاثم على ركبتيه على الارض، فيغطي رأسه بملفعه، ويبدأ بالاهتزاز والتمايل، فيتركه المجتمعون برهه، وهو يؤدي رقصته المجنونه ثم لا يبث ان يتقدم اليه واحد او اثنان منهم، ويحوطانه بأذرعهم، ليهدئوا من حدة انفعالاته ورعشة بدنه، الى ان يهدأ أو يسكن.
فاذا أصابت هذه الحالة المريض نفسه استبشروا بذلك، واوقفوا العزف والرقص والضجيج، وكلموا الجني الذي يسكن جوف المريض، والا فانهم يعالجونه بالضرب بالعصا.
والرجل المصاب بالزار له عدة أسماء حسب شدة مرضه، فهو " فَاسِل " أو " سِيف " أو " شَنْكَر " أو " وِدِل " أو " شِيطَان ".
اما المرأه المصابة بالزار، فهي مصابة بجنية قد يكون اسمها: " كُوكَابِيَّه " أو " يُوسْفِيَّه " او " وِرْكَه " ... الخ.
¥