و أقدم تلك الرسوم الرسم الذي أورده ابن وثيق الأندلسي في كتاب له في علم التجويد. فقد قال بعد أن ذكر حروف العربية: (وهذه صورة الحروف المتقدمة كما ترى: صورة ما بين الرأس متصل بأول اللسان) لو أورد رسما تخطيطيا يوضح الحلق والشفتين و اللسان، و كتب على أجزائه: صورة الحلق و حروفه) هذا أول اللسان وحروفه الحنك الأعلى والحنك الأسفل والشفة العليا،والشفة السفلى ومقدم الرأس والعثنون وهو الذقن وقد وزع ابن وثيق الحروف العربية على أجزاء هذه الصورة.وكان السكاكي وهو من علماء العربية ومعاصر تقريبا لابن وثيق قد أورد صورة في كتابه (مفتاح العلوم) وهو الوحيد من بين علماء العربية الذي استعان بالرسم التوضيحي.
وهناك نماذج أخرى من الرسوم التوضيحية في بعض الرسائل المتأخرة في علم التجويد.
لعل أكثرها توضيحا الرسم الوارد في كتاب اسمه (أرجوزة البيان في حكم تجويد الفران) لمحمد حسين الأصفهاني وهو متأخر ينقل عن خالد الأزهري المتوفى سنة 905 هـ فقد جاء في أخر كتاب وهو نثر وليس نظما كما يفهم من العنوان صورة لمخارج الحروف وهي على شكل مقطعين: الأول يمثل اللسان وما يتصل به من الشفتين والأسنان والثاني يمثل الحلق.
وقد كتبت على هذا الرسم كل أعضاء النطق مع الحروف التي تتكون عندها.
وجاء في هذا الرسم كلمتان لم ترد في كتب علم التجويد الأخرى وهي الطنطنة او الطلطلة حيث كتبتا في الجزء الواقع بعد أقصى اللسان وكأنهما تشيران إلى عضو معين وقد وردفي لسان العرب لابن منظور اقرب الالفاظ دلالة على الموضع الذي كتبتا فيه وهي كلمة الطلاطلة التي قال عنها: (لحمة في الحلق) وقال الاصمعي (الطلاطلة اللحمة السائلة على طرف المسترط أي اللهاة.
إن كلام علماء التجويد في وصف أعضاء آلة النطق صحيح وتام بالنسبة لأكثر الأعضاء وكانت الحنجرة هي العضو الوحيد الذي لم يتمكن علماء التجويد من وصفه وصفا كاملا لأنها لا تقع تحت النظر مع أنهم عرفوها وادكو تأثيرها في إنتاج الأصوات ولم تكن معرفتهم نظرية بل كانت مقترنة بادراك تام لعملية إدراك الأصوات وتمايزها.
عدد حروف العربية عند علماء التجويد
يقسم علماء العربية و علماء التجويد الحروف العربية إلى أصول و فروع. و هذه القسمة ترجع الى ما أورده سيبويه في الكتاب، حيث قال: (فأصل حروف العربية تسعة و عشرون حرفا).
و تكون خمسة و ثلاثين حرفا بحروف هن فروع، و أصلها من التسعة و العشرين، وهي كثيرة يؤخذ بها و تستحسن في قراءة القرءآن و الأشعار وهي:
النون الخفيفة و الهمزة التي بين بين والألف التي تمال امالة شديدة و الشين التي كالجيم و الصاد التي كالزاي و ألف التفخيم.
وقد اقتفى معظم دارسي الأصوات العربية من المتقدمين خطى سيبويه في التقسيم الى الاصلية و الفرعية و حاول الكثيرون توضيح كلام سيبويه و ايراد الامثلة عليه و شرحها و ربما استدرك بعضهم على سيبويه حرفا و مثالا ولكن هنا نستوضح القسمة التي اعتمدها علماء التجويد و الذي مفاده الآتي:
1 - الحروف الأصلية:
كان علماء التجويد يسيرون بالاتجاه القائل ان حروف العربية الأصول هي واحد و ثلاثون حرفا منذ وقت مبكر، وٌيَتمثل ذلك بحديثهم عن الطبيعة المزدوجة لكل من الواو و الياء حين يكونان حرفي مد مرة ’ وحين يكونان حرفي لين مرة اخرى عَلَى قَدْرِ مَا يُوْضِحُ قول عبد الوهاب القرطبي: (الواو والياء تارة من حروف المد و الين بأن تسكنا و ينفتح ما قبلهما و تارة يتحيز مخرجهما اذا تغيرتا عن هذا الوضع بأن تسكنا وينفتح ما قبلهما و متى و جد ذلك زال عنهما معظم المد و بقي اللين و انبسط اللسان بهما و صارتا بمنزلة الحروف الجوامد).
وقد كان هذا الاقرار بهذا العدد من الحروف على يد محمد المرعشي الذي بحث في الفصل الخامس من كتاب (جهد المقل) مسائل يتوقف عليها مسائل في المخارج.
2 - الحروف العربية الفرعية
الحرف الفرعي هو الصوت الأصلي الذي تتغير صفة من صفاته الصوتية أو ينتقل مخرجه الى مخرج صوت آخر مجاور له. وذلك التغير ناتج من احد الاسباب الثلاثة الآتية:
1 - المجاورة ’ مثل الصاد التي كالزاي في نحو (مصْدر)، و الشين التي كالجيم نحو
(أشْدق) فقد لحق الجهر كلا من السين و الشين المهموستين لمجاورة الدال المجهورة
¥