? يتقارب الوتران أكثر في حالة الأصوات المجهورة، ويبتعدان أكثر في حالة الأصوات المهموسة. وقد أشار القدماء إلى ظاهرة النبر في اللغة العربية:
جاء في معجم الصحاح: "نبرتُ الشيء أنبره نبراً، رفعته، ... ونبرة المغني: لرفع صوته عن خفض". وفي تلاوة القرآن الكريم ينبه القراء على ضرورة الضغط على بعض الحروف، وهي:
أ- الوقف على المشدد، مثل كلمة "الحي"، و"بثّ".
ب- عند النطق بواو مشددة قبلها مضموم أو مفتوح: "القوة"، "قوامين".
ج- عند النطق بياء مشددة قبلها مكسور أو مفتوح: "شرقيّا"، "صبيّا".
د- عند الانتقال من حرف مد إلى حرف مشدد: {الحاقة}.
وللنبر وظيفة مهمة في جميع اللغات، إذ لا تخلو منه لغة، فكل متحدث بلغة ما، يضغط على بعض المقاطع فيها، وإنما الاختلاف بينها في استخدامه فونيمًا صوتيًا يغير الصيغ أو المعاني أو عدم تأثيره فيها.
ومن صور النبر، "نبر الجمل" الذي يقوم على الضغط على كلمة بعينها في إحدى الجمل المنطوقة؛ لتكون أوضح من غيرها من كلمات الجملة، وذلك للاهتمام بها أو التأكيد عليها ونفي الشك عنها من المتكلم أو السامع، وهذا السلوك اللغوي شائع في كثير من اللغات.
النبر يكون في بعض المواضع في تلاوة القرآن الكريم مثل: {الحاقة}، {دابة} أي عند الانتقال من حرف مد إلى الحرف الأول المشدد، فإذا نظرنا إلى قوله تعالى: {فإذا جاءت الصاخة} نجد لهذا النبر على حرف "الخاء" تأثيراً دلالياً يفيد الإحساس بصوت الصاخة التي تصم الآذان لشدتها، وبذلك يكون للنبر وظيفة معنوية مهمة لا تتحقق إلا بواسطته.
ومن مواضع النبر في القرآن الكريم عند النطق بواو مشددة قبلها مفتوح أو مضموم نحو {القوة}، {قوامين}. وإذا نظرنا إلى قوله تعالى {ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة للّه جميعاً وأن اللّه شديد العذاب} فالنبر على حرف الواو في كلمة {القوة} له تعبير دلالي للتأكيد على أن القوة للّه وحده، لا سيما والآية تتحدث عن اتخاذ الأنداد من دون اللّه، فكان لابد من التأكيد على {القوة} التي تليق باللّه تبارك وتعالى.
التزمين
هو المرآة التي تعكس لنا عواطف المتكلم وانفعالاته ويعرف بأنه السرعة التي يتخذها المتكلم ويحسها السامع نحو الكلام المنطوق، سواء أكان كلمة أو جملة، ويمكن وصف هذه السرعة بأنها بطيئة أو سريعة أو متوسطة.
وهو عنصر مهم في الأداء الذي يؤثر على فهم المسموع، والإحساس بانفعالات المتكلم أو الحالة النفسية المصاحبة للنص.
وأمثل لهذه الظاهرة الصوتية ببعض الآيات الكريمة. {وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم}.
فالآية تصور حالة يعقوب عليه السلام بعدما فقد ابنه يوسف أحب أبنائه إليه، ولكي تنقل لنا الآية الكريمة شدة حزنه وحسرته على فقد فلذة كبده، جاء المقطع كله بتزمين طويل، فكلمة {تولى} فيها مد طبيعي يستغرق زمناً مقداره حركتان كما يسميه علماء التجويد، وكذلك الفعل {قال} ثم {ياأسفى} هذا المد المنفصل الذي يؤديه التالي للآية بنبرة طويلة توحي بهذه الحالة النفسية الأليمة، ثم كلمة {عيناه} بالمد الطبيعي، وأخيراً كلمة {كظيم} بالمد العارض للسكون، فنلاحظ أن سرعة المقطع كانت بطيئة، لتعبر عن المعنى المراد، بخلاف قوله تعالى: {اقتربت الساعة وانشق القمر? وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر? وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر}.
فإن تلاحق الآيات بسرعة، يوحي بخطورة الموقف وهو اقتراب الساعة، وياله من هول يستلزم السرعة.
الإيقاع
هو إحساس بالتكرر المنتظم لمجموعات كل منها يشتمل على أحداث متشابهة ومتعاقبة. وللتفريق بين الإيقاع وبين عناصر الأداء التي تحدثنا عنها وهي:
"النبر، التزمين، التنغيم، والوقفات" نقول: إن الأداء لا يشترط فيه التكرار المنتظم لعنصر من عناصره، أما الإيقاع فلابد فيه من التكرر المنتظم والدقيق لعنصر من عناصره أو لأكثر، والأداء يتصل بجانب المعنى والفكرة من حيث توضيحها، أما الإيقاع فإنه يتصل أكثر بجانب الإحساس والعاطفة. فهناك إيقاع يثير الحزن، وآخر يثير الفرح والسرور، وإيقاع يبعث الحماسة والحيوية أو الشهامة.
¥