ـ[الغريب]ــــــــ[26 - 05 - 2009, 06:11 م]ـ
الله ...
و إن من البيان لسحرا.
بارك الله فيك شاعرنا العايد.
ـ[جلمود]ــــــــ[27 - 05 - 2009, 07:17 ص]ـ
ذكيّةٌ لو رأى شَنٌّ نَبَاهَتَها ... لَمَا اصطفى غيرَها خِلاً يُصافيهِ
ما زلنا نتسم عبق التراث وشذا الصياغة في أبيات قصيدتنا، ولله دره شاعرا تفرد في اتباعه! وأبدع في تقليده!
ولشاعرنا سعة اطلاع وتبحر في الأدب وغوص في سراديب التراث وخباياه تجلت مظاهره في هذا البيت الفريد.
استوحي شاعرنا هذا البيت من مثل عربي فصيح له قصة طريفة ــ كعادة الأمثال العربية ــ توضح منشأه وتبين غايته ومضربه، ربما كانت هذه القصة تضرب في الحقيقة بسبب، وربما خلقتها عقلية الأدباء واللغويين ومثلنا هو: وافق شن طبقة.
ولكن الطريف المستطرف أن يعمد شاعرنا إلى تفسير من تفسيرات هذا المثل فيشيد عليه قصره وبيته رغم كون هذا التفسير مغمورا رواية وتمثلا، فأحسن وأبدع وكفى وشفى!
ربما يأخذ الغرور مني مأخذه فأدعي أن شاعرنا تفرّد في تمثل هذا المثال بهذا التفسير المغمور تمثلا شعريا، وربما كان جهلي سبب هذا الزعم وأن هناك من تمثل هذا المثال بهذا التفسير المغمور تمثلا شعريا ولم أقف عليه لقلة بضاعتي ومزجاتها، أو لعل الزعم يصدق، وكم من رمية بالغيب قد أفلحت!
أما عن التفسير المغمور الطريف لمثلنا فهو ما ذكره ابن الجوزي في كتابه (الأذكياء)، حيث قال:
" قال الشرقي بن فطامي: كان (شن) من دهاة العرب، فقال والله لأطوفن حتى أجد امرأة مثلي فأتزوجها؛ فسار حتى لقي رجلاً يريد قرية يريدها (شن) فصحبه، فلما انطلقا قال له (شن): أتحملني أم أحملك؟ فقال الرجل: يا جاهل كيف يحمل الراكب الراكب! فسارا حتى رأيا زرعاً قد استحصد، فقال (شن): أترى هذا الزرع قد أكل أم لا؟ فقال: يا جاهل أما تراه قائماً! فمرا بجنازة، فقال: أترى صاحبها حياً أو ميتاً؟ فقال ما رأيت أجهل منك أتراهم حملوا إلى القبور حياً!
ثم سار به الرجل إلى منزله، وكانت له ابنة تسمى (طبقة) فقص عليها القصة، فقالت: أما قوله: أتحملني أم أحملك، فأراد تحدثني أم أحدثك حتى تقطع طريقنا، وأما قوله: أترى هذا الزرع قد أكل أم لا، فأراد باعه أهله فأكلوا ثمنه أم لا، وأما قوله في الميت فإنه أراد اترك عقبا يحيا به ذكره أم لا.
فخرج الرجل فحادثه، ثم أخبره بقول ابنته، فخطبها إليه، فزوجه إياها، فحملها إلى أهله، فلما عرفوا عقلها ودهاءها ــ قالوا: وافق (شن) (طبقة) ".
أما عن غرابته وعدم شهرته فنراها في إهمال كثير من أصحال كتب الأمثال لهذا التفسير، ونراها كذلك في قول ابن عبدون في تذكرته بعد أن ذكر القصة السابقة: " هذا أحد الأقوال في تفسير هذا المثل وهو بعيد، وقد قيل في تفسيره ما هو أسد من هذا، وهو مورد في باب الأمثال."
أما عن التفسيرات الأخرى لهذا المثل فنقرأ كلام ابن حمدون: " ومنها: وافق شنٌّ طبقة، وفيه تأويلان: أحدهما أنهما قبيلتان كان فيهما شرٌّ فالتقتا، وشن من عبد القيس وطبقة من إياد؛ والآخر أن الشن القربة الخلق عمل منها إداوةً فجاء موافقاً، وقد فسر بوجه ثالثٍ قد ذكر في باب الكناية."
ولقد وجدت بعض التمثلات الشعرية لهذين التفسيرين، منها:
ــ لقيت شنا إياد بالقنا ... ولقد وافق شنا طبقه
ــ وإذا الفاحش لاقى فاحشاً ... فهناكم وافق الشن الطبق
ــ فلو جمعتنا به خلوة ... لقد قيل وافق شن طبق
ــ اذا هو امته مثل الرمح واتسعت ... كالترس وافق شن عندها طبقا
وللحديث عن صياغة البيت ودقته وحلاوته وطراوته ذيل!
ـ[العايد]ــــــــ[27 - 05 - 2009, 09:22 ص]ـ
أميرتي أيّ سحرٍ فيكِ؟
قد عادَ لي الشِعْرُ فيّاضاً بواديه = يُحْيي مَوَاتاً من التَهيام ناسيهِ
أميرتي أيُّ سِحْرٍ فيكِ يَجْذِبُني = إذ صِرْتُ كالطيرِ يشدو في مغانيهِ
كَمِيْلةُ الحُسْنِ عينُ اللهِ تكلؤها = مِنْ شَرِّ حاسدِهَا السَوْأى مَراميهِ
رقيقةٌ مثلُ قَطْرِ الماءِ مُنْسَكِباً = من الغمام تهادى في سواقيهِ
نديّةٌ مثلُ رَوْضِ الحَزْنِ بَاكَرَهُ = وَبْلُ السحابِ هَتُوْناً ليسَ يُؤذيهِ
زكيّةٌ مثلُ أنفاسِ الرُبى انبعثتْ = فوّاحةَ الطيبِ مَرُّ الريحِ يُذكيهِ
ذكيّةٌ لو رأى شَنٌّ نَبَاهَتَها = لَمَا اصطفى غيرَها خِلاً يُصافيهِ
رشيقةُ القَدِّ لا ريمٌ تُشابهُها = جِيْداً ولا غصنُ بَانٍ في تثنِّيهِ
هيفاءُ عنْقاءُ نجلاءُ العيونِ بها = منْ سِحْرِ هاروتَ ما يُعْيي بِرَاقِيْهِ
رخيمةُ الصوتِ يحكي في عُذوبتِهِ = مِزمارَ داودَ صدّاحاً بناديهِ
وَرْقاءُ ساجعةٌ لحناً على فننٍ = أذنُ الأصمِّ تجافى عن تَناغيهِ
آهٍ على المُزْنِ تَهْمِي فوقَ ماحلةٍ = والحُسْنِ لاحَ لأعمى كيف يُغريهِ
آهٍ على الحبِّ ما هَبَّتْ نسائمُهُ = إلا على طَلَلٍ تُعْمِيْ سَوَافيهِ
لا تعذليهِ على صَمْتٍ ينوءُ به = فليس يعرفُ ما يُخفي فَيُبْدِيْهِ
ترسو المراكبُ في الشطآنِ آمنةً = لكنّ مركبَهُ قد ضلَّ هاديهِ
أميرتي لم أزلْ في حيرتي ثَمِلاً = يَلفُّني من لهيبِ الشكِّ داجيهِ
إذا حَضَرْتِ خَفُوقُ القلبِ يفضحني = يكادُ يقفزُ قلبي من مراسيهِ
وإنْ تغيَّبْتِ يبقى الصدرُ مُكتئباً = لا تستطيعُ الرواسي حَمْلَ ما فيهِ
حارَ اللبيبُ: أداءُ العشقِ داهمني = والرأسُ قد شابَ قاصيه ودانيه!
وأسوأ الناسِ حالاً مَنْ تقاذَفُهُ = أمواجُ حَيْرَتِهِ في لُجَّةِ التِيْهِ
أميرتي البَذرُ في سَبْخاءَ مضيعةٌ = حصادُهٌ الفقرُ والبُؤسى تَوَالِيهِ
¥