استأذنت سريعاً بإشارة من يدي فقد كدت أن أنفجر بكاءً في وجهه،
وخرجت سريعاً وانزويت في زاوية بعيداً عن الأعين ولم أستطع المقاومة فقد غلبتني الدموع واهتز جسمي وانفجرت في البكاء طويلاً وكأني لم أبك من قبل!
ولكنها دموع لها طعم آخر إنها دموع عودة الأمل من جديد .....
ها أنا أعود إلى هذا المنزل الكئيب ولكن بأمل جديد
هل أخبر أم أحمد الرؤيا التي رأيتها هذا الصباح؟ وهل أسعدها بما أخبرني عنه مديري؟
أتذكر كم أسعدها خبر ذلك الرجل الذي أنجبت زوجته بعد سبع سنوات، وكيف رسمنا يومها آمالاً كالجبال
لا أدري هل أخبرها الآن أم أخبرها في الصيف عندما ألتقي بها هناك في بلدي، فعلى الأقل عندي ما أحمله لها من الأخبار السعيدة
آه تذكرت أنها في المستشفى الآن، إذاً فلأخبرها عندما ترجع من المستشفى محطمة كالعادة من حملها الكاذب، فساعتها من المناسب أن أخفف عنها بمثل هذه الأخبار
مرت الشهور كعادتها مملة فلا أنا مرتاح هنا ولا أنا سعيد بقرب الإجازة الصيفية
فالعودة إلى الوطن ليس لها ميزة ممتعة بالنسبة لي ولكني أؤديها كواجب حتمي ومع ذلك فقد قررت ألا أسافر هذه السنة، فأم أحمد خرجت من المستشفى بعد سبعة أشهر من العناء وعادت إلى البيت دون ظهور تباشير أمل في الأفق، والآن كما تقول تراجع كل أسبوعين ولكنني لا أجد في حديثها حماساً بل أشعر كأنها تخفي عني أمراً
وهذا الأمر أنا أعرفه جيداً المسكينة تحاول التخفيف عني ولا تريد مواجهتي وإخباري أن الحمل فشل مرة أخرى لعلمها إني مشغول هذه الأيام في الاختبارات النهائية للطلاب ولا تريد أن تزيد همي همًا آخر
لذا كانت تتجنب الحديث عن أمر الإنجاب أو الحمل وكنت أفضّل هذا، لذا فعدم النزول إلى البلد هذه السنة قرار صائب بالنسبة لي لأنها ستكون مأساوية ولكن لن أخبرها إلا عندما تقترب الإجازة وأضعها أمام أمر الواقع.
كنت في الصف الدراسي عندما اهتز هاتفي في جيبي فلم أعره اهتماماً، حيث أنه لم يبق من وقت الحصة إلا القليل، وكنت جالساً أقضي هذا الوقت في الحديث الودي مع طلابي الصغار، ولم تكن من عادتي أن أرد على الهاتف في الصف مطلقاً
ولكن الهاتف عاود الاهتزاز ثانية ثم ثالثة فرابعة فنظرت إلى الرقم فإذا هو رقم زوجتي أم احمد!!
لم يكن تلك من عاداتها، فهي تعلم إنني الآن في الحصة الدراسية وتحفظ أوقات راحتي وعملي ولكن هذا الإلحاح من الهاتف يقلق جداً، هل حصل شيء لأحد من أهلي
بدأ القلق يتسرب إلى قلبي ... !
جاءت رسالة سريعة منها، قرأتها " أرجوك رد على الهاتف ضروري "
ثم بعدها مباشرة اهتز الهاتف ولا شعورياً رددت وقلبي قلق جداً
- السلام عليكم
- محمود ... قالتها أم أحمد وهي تصرخ
وكأن قلبي سقط في بطني لدى سماعي صرختها فقد كنت أتوقع أمراً سيئاً
أعادت الصراخ ثانية وأنا أسمع ضجيجاً حولها وأصوات عالية كثيرة لذا لم يكن صوتها واضحاً وهي تقول:
- محمود حبيبي أحمد وصل!
- ماذا تقولين لم أسمعك جيداً ... أي أحمد؟!
- أحمد ابنك وصل والله وصل، وها هو في حضني
- أحمد ابني، أي ابن؟!! لا تمزحين معي يا أم أحمد!!
- صدقني والله لا أمزح ... خذ تكلم مع أختك سلمى
- نعم يا محمود، الله رزقك ولداً هذا الصباح .... قالتها سلمى وهي تبكي سعادة
- سلمى، أخشى أن أكون في حلم، ماذا تقولين قوليها ثانية
- أنت لا تحلم يا أخي بل هي الحقيقة، زوجتك رزقت بولد هذا الصباح، لقد أصبحت أباً يا أخي أخيراً
- أباً، أنا؟!! بعد خمس عشرة سنة؟!!
لم أشعر إلا وأنا أهوي على الأرض ساجداً حمداً وشكراً لله رب العالمين
ولم انتبه أن الطلاب يراقبون ويسمعون ما يجري من الحديث فجلست على الكرسي لا تحملني قدماي
كان قلبي يدق بشدة، و الدموع تغمر عينيّ ولكنها لم تسقط بعد، حاولت أن أتماسك أمام طلابي وغطيت وجهي بيديّ لكي لا يروا دموعي
ولكن سؤال أحد طلابي كان قاصمة ظهر، حين قال:
- أأنت تبكي يا أستاذ؟!!
حينها لم أستطع أن أتمالك نفسي فانفجرت في بكاء ونشيج متواصل وجسدي كله يهتز كأنه يتراقص مع قطرات الدموع التي تنزل على شاربي ولحيتي
ثم خرجت إلى ساحة المدرسة أركض كالمجنون أحضن كل من يقابلني وأنا أصرخ لقد أصبحت أباً لقد أصبحت أباً ......
" تمت "
بقلم كرم صفر مبارك
ـ[أبو طارق]ــــــــ[15 - 06 - 2009, 03:09 م]ـ
لم أستطع التغلب على قطرات الدموع التي كانت تتقاطر من عيني ولم أستطع النظر إلى عينيه السعيدتين لفرحتي
وأنا والله لم أستطع إيقافها
ما أجمل هذه السطور
درة من درر الفصيح حُقَّ لها العلو
والله لو لجأنا إلى الله لما عرف الحزن طريقًا, ولما حُرمنا السعادة
من لجأ إلى الله كفاه, ومن سأله أعطاه
بورك في قلمك ربيعنا النضر
ورزقك الله الذرية الصالحة
ـ[جلمود]ــــــــ[15 - 06 - 2009, 04:28 م]ـ
والذي نفسي بيده لهي قصة أدبية فنية لم أر مثلها في وطننا العربي،
فهي تنتمي إلى فن القصة القصيرة، بل لقد بلغت ذروته، بل لقد اعتلت قمته،
وإن سمحت لي تناولتها بالنقد والتحليل مبرزا شياتها ومعلنا عن جمال قسماتها،
ربما كنت تعبر عن عاطفة ولم تكتبها لتكون قصة قصيرة، ولكنها هكذا جاءت،
ولقد أنستني روعة البيان أن أهنئك بالمولود السعيد،
فبارك الله لك فيه، وجعله ذخرا لك وللمسلمين جميعا!
¥