الأحزان صارت شخصا يكتب آلامه على الجدار، وليس الورق، وما هذا الجدار إنه قلب، وليس جدارا، ولم تقف عند هذا، بل حفرت، وهذا عمق في تصوير الألم، ومعلوم أن الحفر هو الضرب بقوة على الأرض وبلا هوادة، فكيف تتصور هذا إذا كان في قلب؟!. الجمال تصوير الحزن بالرجل العابث غير المبالي بأي شيء يفعل بالقلب الأفاعيل كأنه يكتب على حائط. والعيب هنا شيء واحد أن اللوحة لا تسطر، بل ترسم.
وتقول ضياء في استعارة أخرى:
وأبدعتْ في الزاويةِ المقابلةِ عندما نسجتْ أساريرَالأملِ المنبثقِ،
أشجانٌ تصارعُ الأمواجَ،
نحن الآن في الزاوية المقابلة للزاوية التي تم فيها الحفر:)، وهنا تأتي المفارقة زاوية مكلومة، وزاوية بدأت تنسج ابتسامات التفاؤل. والاستعارة هنا هي أن زاوية القلب تنسج سرور التفاؤل، بل إن الأحزان هي التي تنسج التفاؤل والسرور، وفي هذه المقطوعة جمال وتعسف وعمق مبهم فالجمال هو صراع الحزن والسرور رغم ما في القلب، والتعسف كيف ومن أين ومتى ولّد الحزن سرورا، وكيف ينسجه وهذه استعارة لم توفق، والحزن لا يولد إلا الدموع.
وأما قول ضياء:
أشجانٌ تصارعُ الأمواجَ،
لو جعلت الأديبة كلمة (الأمواج) نكرة، وقالت: (أمواجا) لكانت في قمة الروعة والجمال حيث تعطي القارئ أفقا واسعا يتأمل في جماله لأن النكرات تدل على العموم والانتشار، وكونها معرفة بأل فهي بلا شك أل العهدية، فلنرجع للوراء، وننظر ماهذه الأمواج؟!
إنها خليط من أشياء كثيرة:
حزن وبكاء وأنين، وانتظار وترقب، وترقب للفرحة من أي مكان ربما الفرج الإلهي المعجز، وليكن ... !
ومن الاستعارات - أيضا - تقول ضياء:
أن يمتدَ نسيجُه ليُحيك الثقبَ النازفِ
وضعت للقلب على سبيل المبالغة في تصوير الألم ثقبا ينزف دما، فالحزن - كما مر - والأمواج كل هذه صراع يدمي القلب، وها هو ينزف. وهو في غاية الجمال، ولكن في هذه الكلمات كلمة في غير محلها، وهي:
(ثقب) كيف يكون ثقبا، وهو ينزف؟! كان من الأولى أن تجعليه جرحا غائرا أو طعنة نجلاء أو أي شيء يناسب النزف. والاستعارة الأخيرة في النص:
وتنثرُ عبقَ أزهارِ مستقبلٍ شج
الاستعارة هنا هي:أن الأمواج تنثر أزهارا، والمقصود بالأموج والأزهار هو: أفكار ضياء وأحلامها. وأحب أن أنبه إلى الخطأ النحوي في كلمة (شجي)، والصواب هو: شج ٍ؛ لأنه اسم منقوص تحذف ياؤه إذا كان نكرة في حالة الرفع والجر، وإعرابه هنا: نعت مجرور وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء المحذوفة.
ومن الأخطاء النحوية أيضا قولك:
ألحان َ
مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. وأيضا قولك:
المتمازجة ُ
نعت مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
- ومن جماليات النص تتابع أفكاره فالنص متتابع الأفكار غير مشتت، وهذا يدل على صدق الانفعال ووضوح الرؤية من حيث تجربتها (أعني ضياء) أيا كانت.
فالنص يبدأ بالألم يدخل القلب، ثم يحفر فيه، ويتصارع التفاؤل مع الأحزان، وينقسم القلب فرقين فريق يتألم، وفريق يتفاءل رغم الجرح الذي سببه الألم.
والشجا في اللغة من الأضداد يطلق على الحزن والسرور.
-ومن جماليات النص:روعة بعض المفردات في أداء المعنى مثلا:
حفرت - تنثر عبق - ألحان الحب -
ومن موسيقى النص الداخلية البيانية أشياء رائعة خلف كواليس النص زادته روعة وتأنقا، وهي:
- الحذف: وهو في قولك:
أشجانٌ
والجمال هنا نوعان: المحذوف وهو المبتدأ تقديره (هذه).
والمذكور وهو تنكير (أشجان) حيث يظل القارئ في دهشة من خفقة النص حيث إن التنكير يورث تعدد النتائج والانتشار.ويودعك في ختام الخاطرة حذف أخير رائع حيث تقول ضياء:
شيءٌ من نزفِ فؤادي
والمحذوف هو المبتدأ، وتقديره (هذا) أو (هو)، وأيضا (شيء) نكرة حيث يعود القارئ للحيرة والتفكير في النص من جديد، فكل ما مضى هو مجرد (شيء). وفي الزوايا خبايا - كما يقولون -
-ومن موسيقى النص: الخطاب، فلقد أحدث نبرة موسيقية في هذه الخاطرة، وهذا يبرهن لنا أن هذه الأشجان، وهذه الأمواج هو حديث ضياء مع ذاتها، فهيا إلى النص؛ لنرى الخطاب. تقول ضياء:
تسطر - تحمل - تنثر - تنشر -
¥