ومن هذا المعنى الأخير، ومن صورة الغربان خاصة، وهي تحجل في الدور المهجورة الخالية من الناس؛ كانت لمحة التشبيه في البيت ـ وإن لم يذكر؛ ولذلك تُخُيِّلت تلك النسانيس في صورة غير العاقل؛ بدلالة الفعل "يردين"، الذي استعمل في اللغة حينا مع الدواب غير العاقلة، فجاز معها التأنيث مجازا، ومع جواري النساء العاقلات حينا، وهي مؤنثة حقيقة. والله أعلم
7ـ قلت ـ وفقك الله ـ:
* (كرائمها تسبى بسوق نخاسها) السباء سابق لجلبهن إلى سوق النخاسة، لو قلت تشرى (أي تباع) بدل تسبى. أم تسبى أوقع لتكرر جرس السين؟
أجل، هو كذلك
وإن كان مقام الإرخاص وذكر الكرائم، يحسن معه ذكر السبي؛ مبالغة في بيان مقدار الذلة والهوان، بالإضافة إلى القيمة الإيقاعية بتكرار جرس السين ـ كما ذُكِر
على أنه بقي ثمة إشكالان، أو لنقل: استفساران، أسفرت عنهما هذه المدارسة المباركة بإذن الله، وهما:
الاستفسار الأول: هل يتغير توجيه معنى البيت، ومن ثمَّ يتغير وجه الاعتراض فيه، بتغيُّر إعراب جملة: " تُسْبَى" بين الحاليَّة والوصفية ـ مثلاـ مع ملاحظة أخذ الجملة بتمامها: "وأرخصت كرائمها تسبى بسوق نخاسها، أو حتى أخذ البيت بتمامه؟
الاستفسار الآخر: هل يمكن حمل التقديم والتأخير بين السباء والجلب إلى سوق النخاسة، هل يمكن حمله على جهة القلب، وهو باب واسع في العربية، أم أنّ معاييره لا تنضبط هنا؟
والله أعلم
8ـ قلت ـ نفع الله بك ـ:
* (فأحرى بأن تهوي على أم راسها) لو قلت (فأحر بها تهوي على أم رأسها) لتحاشيت ضرورة تسكين الياء.
والجواب: لا هاجسَ كبيراً ههنا؛ على اعتبار الضرورة الشعرية هنا (تخفيف الفعل المضارع المنصوب بالفتح خاصة على الياء الثقيلة أصلاً بعد الواو الثقيلة كذلك في:"تهوي") على اعتبارها بوصفها ذاك مما يدخل في نطاق (مباحات الضرورات الشعرية) ـ إذا صح التعبير
فإن كان ولا بدّ؛ فإن الرجوع إلى الأصل (وهو عدم اللجوء إلى الضرورة الشعرية ـ مهما كانت ـ لشعراء زماننا هذا خاصة)؛ هو الأحسن والأسلم، ومعه يكون الرجوع إلى ما قضى به أستاذنا (أبو عبد القيوم)
والقيام عليه (أي على هذا الأصل لا على أستاذننا أبي عبد القيوم):)
كان آخر هذا الموضوع دعابة مع أستاذنا القدير: أبي عبد القيوم؛ رغبة فيما لديه واستزادة من فيض علمه، وإشارة إلى أن ما سبق مني أنا الفقير لرحمة ربه من توجيه للمعاني والأساليب المستدرك عليها، إنما هو استدفاع مطلوب لمثل تلك الهواجس، واجتهاد على قدر الوسع والطاقة، على ضيق الوقت وكلال الخاطر؛ نصيبه من الصحة والصواب كنصيبه من الغلط والخطاء.
في انتظار ما يفيض به علينا أستاذنا أبو عبد القيوم ـ أعاده الله إلينا بالسلامة والغنيمة ـ وجميعُ أساتذة الفصيح من متغازر مصبوب علمهم، وهامي ديم أدبهم.
والله من وراء القصد
والحمد لله رب العالمين
ـ[أحمد بن يحيى]ــــــــ[23 - 07 - 2009, 12:51 ص]ـ
لله درك أبا يحي
ما هذا الشهد المتقاطر عذوبة و حلاوة وحكمة وحسن سبك ..
ذكرني مطلعها بقول أبي تمام:
ذَريني وأَهوالَ الزَمانِ أُفانها**فَأَهوالُهُ العُظمى تَليها رَغائِبُه
حياك الله أخي الحبيب "الباز" وبياك ومن فضله أغناك
حللت أهلا ونزلت سهلا
فحيهلا
وشكر الله لك ثناءك الغامر هذا وجزاك خيرا وبارك فيك
أما أبو تمام؛ فهو أستاذ الشعراء الأكبر؛ فما بالك بشخص المتشاعر الهزيل هذا!
توقفت عند كلمة تُنازِعها؟؟
أليس أكثر دقة في المعنى القول: تَنازَعها بوضع فتحة على التاء و الزاي بدل الكسرة ..
بلى بلى!
وأحسنت أحسنت!
فلله درك لله درك!
كما أني لا أفوت هذه الفرصة -خصوصا وأن أستاذنا أبا عبد القيوم
قد مر من هنا- لأطرح هذا السؤال الذي يؤرقني:
الفعل المضارع المجزوم بعد فعل أمر يفيد الشرط فيكون تقدير الجملة
في بيتك -مثلا- أخي أبا يحي:
إن تدعْها تنازَعْها
أليس هذا المعنى يفيد أن التنازع لن يحدث إلا إذا تركها (المخاطَبُ)
فماذا لو لم يدعْها؟؟
لقد دعتني حيرتك هذه، وتساؤلك عن معنى الشرط في الطلب وجوابه، وأن المقياس فيه هوالعود إلى مقياس الشرط نفيا وإثباتا؛ لا سيما تساؤلك:
أليس هذا المعنى يفيد أن التنازع لن يحدث إلا إذا تركها (المخاطَبُ)
فماذا لو لم يدعْها؟؟
¥