وبأنه ينبغي رزْنَ أهميته بموازين القدر العالي, فلا تستغربن أن ترى من المتخصصين أديبًا أو شاعرًا متألقًا وهو يعرض ـ من منصته على القارئ ـ لغته السلسة وبلاغته الساحرة, يحليها له بالنقوش المجازية, ويلحنها على هيئة قصيدة ذات إيقاع شجي وعزف سجي بديع, يعبر بواسطتها عما خالج صدر الجاهل وناب عقله, وناهيك عن وصفه بها نفس المنظر الذي يراه والجاهل بأوصاف نعم هِي! أوصاف, أنى للجاهل أن يأتي بمثلها؟ ... إنها رموز لغة ناذرة, وصاحبها بلاغي حصيف وصاحب روح مدمنة على دقة البيان.
إن حقيقة الخلاف بين العلماء والجهلاء حقيقة كامنة في ثنايا ما اعتاده المعتادون وصاروا يعجّون باسمه كلما اجتمعوا و عزموا على مقارنة المتعاكسات, فهم ـ وهذا ديدنهم الموروث ـ لا يقيمون وزنا أيًا كان هذا الوزن لجزئيات الالتقاء العامة, بينما نجدهم دوما يهشّون بألسنهم على كل جزئية تفصل بين المقارَنَيْنِ, كأنما ليس هناك من الجزئيات الصحيحة سواها. هذا وقد يلاحظ على هؤلاء الظلمة أيضا أنهم إن قارنوا لا يقارنون إلا بين المتعاكسات المضادة من جهل وعلم, أو من أبيض وأسود أو من ظاهر وباطن وهلم جرّا, أما أن تجدهم يقارنون بين المماثلات من حسن وحسن ومن قبيح وقبيح ومن نفيس ونفيس فلا! مع أن عدد نقاط الافتراق بين المماثلات قد يفوق أحيانًا عدد نقاط الالتقاء والمشابهة بينها وبين المضادات .... جزئيات كانت هذه النقاط أو كليات.
إنني أرى أن فائدة التحليل الفكري الدقيق ـ إنْ جدواه عين جدوى الإحساس الفطري ـ على غير عهد بالواقع! فهل الغاية ـ يا أصحاب المصطلحات العقيمة ـ لا تُمْنَحُ صفة الغاية إلا إذا ألغيت جميع وسائل الطلب, ما عدا وسيلة واحدة أو وسيلتين, اجتمعتم ومن يحسنون لحن القول على جعلهما قاعدة معصومة, تصطادون بها رؤوس الأخطاء وأذيال السقطات.
الحياة الجسدية عندي لا يمكن أن تتم إلا بحياة الروح, وهذا بغض النظر عن هيئة الجسد العامة, فلا ضعف الجسد بمن يحرم الجسد من الحياة مادامت روحه ترشف الحياة رشفًا, وتتجرع الأمل صبوحًا رجاءً غبوقًا. و يبدو أن حتف الجسد العريض وهلاكه أمر محتوم ظاهرا, وهو القائمِ أصلا على بناء عضلي فاره, ولا عجب أن يكون الحتف نصيب جسدٍ رُبِّيَّ بأصناف الأطعمة وشتى ألوان الأشربة: متى علم أن روح هذا الجسد لم ُتحظِى بمثل ما حَظي به هو, فلا حركاته إذاً بالدالة على الحياة بمعناها الواسع الشامل , ولا سرعة تنفيذه للأوامر بالتي تعني معنىً ما من معاني الحياة الحقة ... إنه لا هذا ولا تلك بالحياة الصحيحة التي تستحق أن نسجل أمجادها ونرسم خطوطها ... ومن هنا فقط يمكن أن نفصل بين الجهل والعلم, إذ أن الجهل بالفن المعين المحدد يعني ابتعاد الإنسان عن مرغوبه معنويًا كان أو حسيًا, أما العلم به فهو إن فاد فلابد أن يفيد أن حياة الإنسان لا تصل سنم ذروتها إلا بنيل هذا المرغوب, و لكل جاهل بهذا الحقيقة الجوهرية نقص من الحياة الروحية, وجهل بجوهر ينبوع طالما اعتاد الناس أن يترددوا حوله دون أن يُعلم هدفهم من ذلك
ـ[معالي]ــــــــ[27 - 12 - 2005, 02:45 ص]ـ
حياكم الله شيخنا القيصري بعد طول غياب ..
أضفتم الكثير والكثير أثابكم الله ..
الأهم لديّ
أن نرى قريبًا إنجاز وعدكم هذا:
الفارزة الفاصلة يجب ان تكون، وليست , فهناك فرق بينهما ساعود اليه في مقالة مستقلة.
جزاكم الله خيرالجزاء وأوفاه وأكمله ..
ـ[أنامل الرجاء]ــــــــ[27 - 12 - 2005, 05:21 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي القيصري, بارك الله لنا فيكم وجزآكم الله عنا خير الجزاء, وأثابكم الله عن هذا المجهود المبارك, الذي تفضلتم به من خلال مشاركتكم الطيبة.
هذا, وأود أن أعلمكم بحقيقة لا أجهلها بقدر ما أعلمها, اللهم إلا أن أجهلها من حيث لا أدري, وعلى أيٍّ فلا يظنن القيصري وهو من هو, أنني ممن يُسْتَحسن تنقيح أسلوبهم, وهذا لا يعني معارضتي لكم فيما شرعتم فيه وابتدأتموه, ولكنني أرى وضوح الفارق بين طويلب علم صغيرـ هو بأمس الحاجة في الوقت الحاضر إلى معرفة أخطائه الإملائية و النحوية دون غيرها ـ وبين أمثالكم ممن لهم قدم راسخة في اللغة العربية.
كيف يمكن لأمثالكم أن يعامل أمثالي بمثل ما يجوز به معاملة أقرانه, وهل من الحكمة لصاحب الخبرة بعلوم اللغة خبرة ولو جزئية أن يؤاخذ تلميذا صغيرا في أول مشواره العلمي.
أخي الفاضل أعتقد أن الجواب واضح ومعلوم بالعقل وهو من حيث الحكمة لا يخلف الحكمة, ولذا فأرى أن تتفضلوا بمساعدتي لقفز الأطوار ونيل الأوطار, وسيكون ذلك إن شاء الله تعالى بمراجعة الأخطاء الصرفية والنحوية ثم الإملائية, دون التعرض لمنهجية الرسالة من حيث الأسلوب والمضمون.
هذا الذي أراه, وإن كنتم لا توافقونني فلا بأس, وإن كان هناك خلاف بيني وبينكم فحدوده لا بد أن تكون مضبوطة بآصرة الأخوة الدينية, ولذا فلكم تقديري واحتراماتي و جزى الله الأخ عن أخيه وبارك الله له فيه, والسلام عليكم.