فإِنَّه مِن البديهيات لدى جميع العقلاء أنَّه لا استئصال إلا بعد العجز، ولهذا لا يستأصل الأطباء عضوًا مِن أعضاء الإنسان عند مرضه إلا بعد العجز عن علاجه.
لكننا إذا رجعنا إلى كتب البابوات وأناجيلهم التي نسبوها لنبي الله عيسى عليه وعلى أمه الطاهرة المطهرة الصلاة والسلام: فسنجد الصورة مخالفة لنداء العقل.
إنها صورة حب الاستئصال وإحراق المدن، وأن هذا أفضل من ترك عادة رديئة.
فلماذا تركتموها بلا علاج؟ وأين علاجكم العاقل والهادئ؟
لن تجد جوابًا هناك إذْ نداء العلاج يخالف شهوة الاستئصال القائم على السيف، والقائل كما سبق:
((لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاماً عَلَى الأَرْضِ)) ((مَا جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاَماً، بَلْ سَيْفاً)) [كما سبق نقلا عن إنجيل متى].
فلا مجال للسلام عندهم.
ولا مجال للكلام عن علاجات.
ولهذا حاربوا العلماء والحكماء من النصارى على مَرِّ التاريخ.
لأنه لا مجال لسوى السيف.
ولا قول يعلو فوق صوت السيف النصراني المصلت على رقاب الإنسان الذي لا يعرف السيف له علاجًا سوى الفتك به وإزهاق روحه.
لا مجال لديهم للكلام عن إعادة إعمارٍ بعد الإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي انتُهِكَت، وعلى المتضرر بعد ذلك أن يعيد إعمار ما يجب على النصارى بحكم كتبهم التي لا تسمح لصوتٍ يعلو على صوتِ السيف، ولا مجال لديها لسلامٍ أو مفاوضاتٍ سوى ما وردَ في ((إنجيل متى)) على لسان يسوع حيث يقول النص الذي كررناه مرارًا:
((لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاماً عَلَى الأَرْضِ)) ((مَا جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاَماً، بَلْ سَيْفاً))
وننظر في هذا النص مِن أوائل الفصل ((الرابع والثلاثين)) من ((إنجيل: برنا)) والذي يقول:
((قال يسوع أيضا: الحق أقول لكم أن إحراق مدينة لأفضل من أن يترك فيها عادة رديئة، لأن لأجل مثل هذا يغضب الله على رؤساء وملوك الأرض الذين أعطاهم الله سيفا ليفنوا الآثام)).
ولن نتساءل هنا عن ذنب الأبرياء الذين لم يرتكبوا الآثام حتى يؤخذوا بجريمة مرتكبي الآثام، ولنترك السؤال للقارئ يسأله لنفسه.
إنها مجرَّد عادة رديئة وليست عادات ولا اجتماع مطبق من أهل القرية على عملٍ بعينه كما اجتمع قوم لوطٍ على فعل المنكرات وترك الحلال الذي أباحه الله عز وجل لهم، فكان عقابهم عادلا ومنطقيًّا حين أخذهم جميعًا بذنبهم المتفشِّي فيهم.
لكن عاقلاً مِن الناس لن يأمر بحرق قريةٍ بأكملها لمجرد عادة رديئة؛ إلا أنْ يكون البطش والتدمير والفتك متأصِّلٌ فيه، تتعطش روحه لدماء الأبرياء.
تمامًا كما يقتل الجنود النصارى في جميع حروبهم أطفالاً لا حيلة لهم، بل ربما بقروا بطون أمهاتٍ واستخرجوا أجِنَّةً لا تعلم عن الدنيا شيئًا ثم فتكوا بهذه الأجنةِ أيضًا.
ولا زالت الأخبار تجري كل يومٍ صباحًا ومساءً وفي كل حينٍ بمثل هذه الجرائم الوحشية والفظيعة للجنود النصرانيين في شتى أماكنهم التي يجتاحونها ظلمًا وعدوانًا.
وسنترك للقارئ أن يسأل نفسَه: عن ذنب ملايين العراقيين وهدم بلدٍ بأكمله؟!
نترك للقارئ أن يسأل نفسَه عن ذنب ملايين الفلسطينين؟ والأفغانيين والبوسنويين؟
كما نترك له أن يسأل نفسَه عن ذنب الفيتناميين؟
ولا أنسَ أن أُذَكِّره: ما ذنبُ أطفال ونساء تلك المدن اليابانية التي هدموها بقنبلتين نوويتين لا زالت آثارهما تظهر في الأجيال الجديدة حتى الآن؟!
ذنوبٌ كثيرةٌ على القارئ أن يسألها لنفسه في ظلِّ النص السابق: ما ذنبُ الأبرياء حتى يؤخذوا بجرائم غيرهم.
وحين لا يجد القارئ جوابًا عليه أن يرجع للقرآن الكريم ليجد فيه هذه الآية الكريمة التي يقول الله عز وجل فيها: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [سورة الأنعام: 164}.
وهنا على القارئ أن يتدبَّر ويختار.
كما للقارئ الآن أن يقارن بنفسه بين من يبيد مدنًا بأكملها بجرائم بعضها بناءً على عقيدةٍ مكتوبةٍ في كتابه!!
وبين الرحمة المهداة لكل البشر، والتي تنهى عن قتل النساء والصبيان وقطع الأشجار في الحروب، لأن الرحمة لا يمكن أن تنقلب عذابًا، والبلسم العذب لا يصبح لهبًا وشُهُبًا!
يُرْسِي النبيُّ محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعدة الرَّحْمةِ والإنصاف والعدل، وسمُوّ الأخلاق، وشرف وكرامة الإنسان، فيرسل لخالدِ بن الوليد رضي الله عنه أحد قادة المسلمين العظام، ليقول له الرؤوف الرحيم محمد بن عبد الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((قُلْ لِخَالِدٍ لَا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا عَسِيفًا)) [((سنن أبي داود)) (2669)، وصححه الألباني في ((إرواء الغليل)) (1210)]. والعسيفُ: الأجير.
((قُلْ لِخَالِدٍ لَا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا عَسِيفًا)).
((قُلْ لِخَالِدٍ لَا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا عَسِيفًا)).
وقال أيضًا: ((لَا تَقْتُلَنَّ ذُرِّيَّةً)) [سنن ابن ماجة (2842)، وصححه الألباني في ((إرواء الغليل)) (1210)].
((لَا تَقْتُلَنَّ ذُرِّيَّةً)).
فليتدبَّر هذا الذين لا يعرفون نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم؟
وليعرفوا الآن من يكون الرحيم الرؤوف صلى الله عليه وسلم؟
...
ولا زلنا معكم على الطريق فتابعونا ......
¥