تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بل تعدَّى الأمرُ أكثر من هذا بكثير، فوقفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو أعظم إنسانٍ، وقف بغير عنصريةٍ ولا وحشية.

وقف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ليقتل.

وقف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ليقول: ما جئتُ لألقيَ سلامًا كما قال إنجيل متى على لسان يسوع.

وقف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ليأمر بسفك الدماء وشوي الأجساد الحية.

إنما قف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمر آخر خَلَّدَهُ التاريخ.

إنما وقف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليكرِّم النفس الإنسانية.

إنما وقف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليرفع مِن قيمة الإنسان.

وقف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجنازة يهوديٍّ!!

أليستْ نفسًا؟!!

تلك أنشودتي التي أتغنَّى بها إن ضاعت من الناس الأناشيد.

وتلك أقصوصتي التي أقصُّها إن كانت قصصكم كلها كذبٌ.

أليستْ نفسًا؟!!

إنه الرؤوف الرحيم الهيِّن اللين.

أعظمُ إنسانٍ.

إنه محمد بن عبد الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَاعِدَيْنِ بِالْقَادِسِيَّةِ فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ، فَقَامَا.

فَقِيلَ لَهُمَا: إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ؟ أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ؟!

فَقَالَا: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ؟ فَقَالَ: ((أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟)) [صحيح البخاري 1313، وصحيح مُسْلِم961].

((أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟))

((أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟))

أليست نفسًا يا مَن قتلتم مليار هندي في أمريكا الجديدة في أربعين سنة؟!

بناءً على عقيدتكم التي تقول في إنجيل متى:

((لا تظنوا أني جئتُ لألقي سلامًا على الأرض))!

((ما جئتُ لألقي سلامًا بل سيفًا))!

...

وقد ظهرتْ آثارُ هذا السيف في طريقة العلاج للآثام حتى بلغ الأمر إلى القول بأنَّ إحراق مدينة بأكملها أفضل مِن أن يترك فيها عادة رديئة!!

هكذا يكون العلاج في نظر الإنجيل النصراني الموجود بأيدي النصارى الآن.

حرق المدن بأكملها أفضل مِن أن يُتْرَك فيها عادة رديئة!

ونحن بطبيعة الحال لا نقلِّل أبدًا مِن العادات الرديئة وضرورة محاربتها لأننا أهل طهارةٍ ونظافةٍ في جوهرنا ومظهرنا.

هكذا علَّمَنا الإسلام أن نتنظَّف خمس مراتٍ في اليوم عبر الوضوء الواجب للصلاة، وليس نافلةً أو تطوُّعًا، لكنه واجبٌ مِن واجبات ديننا الإسلامي.

فرضٌ علينا أن نتنظَّفَ خمسَ مراتٍ بغسل أعضائنا ووجوهنا وأرجلنا، بل وبالمضمضمة والاستنشاق الذي يخرج معه رواسب ما تجمع في الشعيرات الدموية الأنفية عبر الشهيق والزَّفِير.

كما أنه قد أمرنا إسلامُنا باتِّخاذ الزينة عند كلِّ مسجدٍ يعني النظافة والطهارة.

يقول الله عز وجل في القرآن الكريم: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31].

ولم يكتفِ الإسلام بالنظافة الخارجية والظاهرية للمسلم، بل أمَرَهُ دائمًا وأبدًا بتطهير داخله وجوهره مِن أدران الشرك بالله عز وجل، بل ومِن أدران الغلّ والحقد والحسد على الآخرين أو الكيد لهم، أو الطمع في أرزاقهم.

فكلُّ هذا وغيره من الآفات قد نهانا الإسلام عنها أشدَّ النَّهْي.

بل وصلت مثالية وطهارة ونظافة الإسلام إلى حَدِّ استبشاع سوء الظن بالغير أو التجسُّسِ عليه أو الكلام اغتيابه (الكلام في حقِّه في غير وجوده) بما يكرهه الغائب.

ولنتدبَّر قول الله عز وجل في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات: 12].

علاجٌ حكيمٌ، وتطهيرٌ راقٍ للإنسان مِن أوساخ الدنيا وشوائبها التي تلحق بقلبه وقالبه.

لا نلمح فيه أيَّ تهورٍ أوْ إبادةٍ جماعية، أو زعم أن إهلاك مدينة بأكملها أفضل مِن أنْ يُتْرَك فيها عادة رديئة!.

نعالج العادة الرديئة بعلاجٍ حكيمٍ وهاديءٍ، أفضلُ مائة مرةٍ مِن الإبادة الجماعية الدالة على العجز عن العلاج.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير