تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والسلف رضوان الله عليهم يثبتون الصفات إثباتاً بلا تمثيل، فلا يمثلونها بصفات المخلوقين، لأن الله ليس كمثله شيء ولا كفء له ولا ند له ولا سمي له، ولأن تمثيل الصفات وتشبيهها بصفات المخلوقين ادعاء لمعرفة كيفيتها، وكيفيتها مجهولة لنا مثل كيفية الذات، لأن العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف، والله تعالى لا يعلم كيفية ذاته إلا هو، والكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أن لله ذاتاً لا تشبه الذوات، فكذلك له صفات لا تشبه الصفات، -ليس كمثله شيء وهو السميع البصير- -الشورى:11 - ، أي: لا يشبهه أحد لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.

فيجب الإيمان بما وصف الله به نفسه، لأنه لا أحد أعلم من الله بالله، -أأنتم أعلم أم الله- -البقرة:140 - ، فهو أعلم بنفسه وبغيره، كما يجب الإيمان بما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، لأنه لا أحد بعد الله أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم. أهـ.

قولهم في القرآن

ويقول الإمام الذهبي رحمه الله:

من المسائل التي اختلف فيها الأئمة في القول في القرآن وتسمى مسألة أفعال التالين فجمهور الأئمة والسلف على أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق وبهذا ندين الله تعالى وبدعوا من خالف ذلك وذهبت الجهمية والمعتزلة والمأمون وأحمد بن أبي داود القاضي وخلق من المتكلمين والرافضة إلى أن القرآن كلام الله المنزل مخلوق ... وجرت محنة القرآن وعظم البلاء وضرب أحمد بن حنبل بالسياط ليقول ذلك نسأل الله السلامة في الدين ثم نشأت طائفة فقالوا كلام الله تعالى منزل غير مخلوق ولكن ألفاظنا به مخلوقة يعنون تلفظهم وأصواتهم به وكتابتهم له ونحو ذلك وهو حسين الكرابيسي ومن تبعه فأنكر ذلك الإمام أحمد وأئمة الحديث وبالغ الإمام أحمد في الحط عليهم وثبت عنه أن قال اللفظية جهمية وقال من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي ومن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع وسد باب الخوض في هذا وقال أيضا من قال لفظي بالقرآن مخلوق يريد به القرآن فهو جهمي وقالت طائفة القرآن محدث كداود الظاهري ومن تبعه فبدعهم الإمام أحمد وأنكر ذلك وثبت على الجزم بأن القرآن كلام الله غير مخلوق وأنه من علم الله وكفر من قال بخلقه وبدع من قال بحدوثه وبدع من قال لفظي بالقرآن غير مخلوق ولم يأت عنه ولاعن السلف القول بأن القرآن قديم ما تفوه أحد منهم بهذا فقولنا قديم من العبارات المحدثة المبتدعة كما أن قولنا هو محدث بدعة وأما البخاري فكان من كبار الأئمة الأذكياء فقال ما قلت ألفاظنا بالقرآن مخلوقة وإنما حركاتهم وأصواتهم وأفعالهم مخلوقة والقرآن المسموع المتلو الملفوظ المكتوب في المصاحف كلام الله غير مخلوق وصنف في ذلك كتاب أفعال العباد مجلد فأنكر عليه طائفة وما فهموا مرامه كالذهلي وأبي زرعة وابي حاتم وأبي بكر الأعين وغيرهم ثم ظهرت بعد ذلك مقالة الكلابية والأشعرية وقالوا القرآن معنى قائم بالنفس وإنما هذا المنزل حكايته وعبارته ودال عليه، وقالوا هذا المتلو معدود متعاقب وكلام الله تعالى لا يجوز عليه التعاقب ولا التعدد بل هو شيء واحد قائم بالذات المقدسة واتسع المقال في ذلك ولزم منه أمور وألوان.

وقوله رحمه الله: >ثم ظهر بعد ذلك مقالة الكلابية والأشعرية وقالوا القرآن معنى قائم بالنفس وانما هذا المنزل حكايته وعبارته ودال عليه< يوضح بجلاء أن الأشاعرة والكلابية يخالفون أهل السنة والجماعة في مسألة القرآن، ولهذا كان ينبغي على مؤلفي الكتاب ألا يقارنوا قول الأشاعرة والكلابية بقول بعض العلماء الأجلاء الذين قالوا: >لفظي في القرآن مخلوق< وكأن الأشاعرة متفقون مع أهل السنة والجماعة في إثبات صفة الكلام لله تعالى، وهاهو الإمام الذهبي يبين لنا أن مذهبهم مخالف لمذهب أهل السنة والجماعة وسلف الأمة، وكتبهم طافحة بهذا القول المخالف لما ذهب إليه السلف، ومثال ذلك ما جاء في جوهرة التوحيد -فقال أهل السنة كلام الله صفة أزلية قائمة بذاته تعالى ليست بحرف ولا صوت- ويقول صاحب التحفة شارح الجوهرة: >وقد أضيف له تعالى كلام لفظي كالقرآن، فإنه كلام الله قطعا، بمعنى أنه خلقه في اللوح المحفوظ!! < فهل بعد هذا يصر أصحاب هذا الكتاب على أن الأشاعرة يذهبون إلى ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة كالأئمة الأربعة والبخاري مسلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير